رئيس “العونيين” يشن “غارة وهمية” على طرابلس
في مشهدٍ أولي لزيارة وزير الخارجية، جبران باسيل، إلى
طرابلس، يمكن وصفها بـ “غارة”عسكرية خاطفة، هدفت إلى تسجيل “انتصارٍ” سياسي
على متن دبابات الجيش اللبناني. فمنذ ساعات الصباح الأولى، كانت طرابلس
أقرب لمدينة أشباح، “تغزوها” الحواجز العسكرية، كما لو أنها خرجت من عملٍ
أمني أو على أبواب خطةٍ أمنية جديدة، تحسبًا لخلايا “إرهابية” نائمة.
ثلاثة آلاف عسكري
نُصّبت
الحواجز ابتداءً من مفرق القلمون مرورًا بطرابلس وصولًا إلى العبدة.
انتشرت عناصر الجيش على الطرقات والمفارق، ورافقت زيارة باسيل بحوالى ثلاثة
آلاف جندي ورجل أمن.
المشهد العسكري في طرابلس، كان مستفزًا لأهلها، لا سيما أنه ارتبط بزيارة “وزير” من الحكومة. فحتى حين يزور رئيس الحكومة سعد الحريري عاصمة الشمال، لا تعش مثل هذا التأهب العسكري غير المسبوق، الذي بدا أقرب عملية مداهمة للمدينة كلها. خارج معرض رشيد كرامي الدولي، احتشد عشرات المواطنين، في اعتصام يتيم وخجول، احتجاجاً على زيارة باسيل، قطع عليهم الطريق مغاوير الجيش.
داخل المعرض، وأثناء وصول باسيل، تحولت أروقته إلى أشبه
بمعسكرات، جاهزة للتفتيش والحراسة وتأمين مسلك لنزول باسيل “ركضًا” من
موكبه مع وزير الدفاع الياس بو صعب. واللافت في المعرض، هو أنّ الحضور
العسكري الكثيف وغير المعهود لمواكبة مهرجان حزبي، هو أنّه كان من سوية
ضبّاط وإلى أعلى الرتب، إلى جانب عناصر من أمن الدولة، من بينهم أمن باسيل
الشخصي مع مخابرات الجيش. أمّا الأغرب، فكان حضور عدد كبير من العناصر
الملثمة، الذين ارتدوا بدلات عسكرية خضراء لا تكشف انتماءهم لأيّ جهاز أمني
أو عسكري، وهذه العناصر لا نراها سوى في عمليات المداهمة الخطيرة!
تحريض على “القوات” بقاعة فارغة
لدى
وصول باسيل وبوصعب إلى المعرض، دخلا بسرعةٍ إلى قاعةٍ مغلقة، للقاء بعض
الكوادر الحزبية في جلسةٍ بدتْ سريّة في طابعها، لا سيما أنّ العناصر
العسكرية تصدّت للصحافيين والمصورين ومنعتهم من الاقتراب أو حتّى التقاط
الصور. وبالمناسبة، التشديد على الصحافيين كان مبالغًا به لدرجةٍ لم
يفهموها أبدًا. في البدء، كان مقررًا أن يدخل باسيل إلى قاعة المهرجان عند
الساعة الـ 12:00 ظهرًا. لكنه تأخر أكثر من نصف ساعة، وبدا الجوّ مشحونًا
ومتوترًا داخل قاعة المهرجان، التي بقيت حتّى دقائق قليلة سبقت دخول باسيل،
شبه فارغةٍ، وتشكو من حضورٍ ضئيلٍ جدًا. وأغلب المشاركين في هذا المهرجان
الحزبي، الذي طغى عليه الحضور العسكري وعناصر مخابرات الجيش، لم يسجل
حضورًا “طرابلسيًا” لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى الرسمي.
في كلمته، كان سقف باسيل منخفضًا، ولم يوازِ خطابه حجم
التدابير المتخذة لأجله، إذا كان في موضع “التبرير” وبدأ بـ”الإعتذار” عن
تغيير البرنامج الذي كان معدًا لزيارة يوم الأحد في 7 تموز، معللًا ذلك
بالضرورات الأمنية، وأنّه لولاها كان ينوي زيارة أحياء طرابلس ويفتتح
شوارعها، ولكن، “لم نحب إزعاج أحد من أهل المدينة، بعد التهديدات التي
تلقيناها”. وباسيل الذي لا شكّ أنّه كان يشعر بالاستفزاز رغم تعاليه عن
ذلك، نتيجة عدم استقباله من أيّ شخصية طرابلسية رسمية سياسية أو روحية،
حاول أنّ يضرب على وتر المدينة الحساس، بضرب صورة القوات اللبنانية، عبر
التذكير أنه ليس هو “من اغتال رئيس حكومة لبنان في طرابلس”، وأنّه لم يشارك
في الحرب الأهلية وأنّه من الطبيعي أن يكون هنا في طرابلس، و”الشيء غير
الطبيعي والفتنة أن أمنع من المجيء إلى طرابلس”.
المقاطعة الشاملة
في
الشارع، كانت حالة المواطنين في استياءٍ كبير، نتيجة الجمود والشلل والرعب
الذي رافق زيارة باسيل إلى مدينتهم، من دون أن يجدوا مبررًا. وعدم نزول
الناس إلى الشارع، للتعبير عن اعتراضهم على زيارته التي واجهت أكبر حملة
مقاطعة سياسية وشعبية، هو من المرجح ناتج عن “تعب” أهل المدينة من صبغهم
بتهمة الإرهاب، وأنهم ليسوا على استعداد أن يهدروا قطر دمٍ واحدة لأجل أحد
بعد اليوم.
وفي محصلة المشهد الطرابلسي في يوم الباسيل، الذي من المنتظر استكماله في عكار وزغرتا، كان “العناد” و”الإحراج” على حدٍّ سواء سيدا الموقف.
فباسيل الذي لم يستطع استقباله حتّى أيّ ممثل عن تيار المستقبل شريكه في التسوية الرئاسية، أكد أنه جاء إلى المدينة “نكاية” وحسب، وللقول أنّه يستطيع الذهاب حيث يشاء، حتّى لو قاطعه الجميع، وحتّى لو سبقت زيارته بأسبوع هدر للدماء في الجبل. حاول باسيل أن يوحي في خطابه أنه هو وتياره أصحاب فضلٍ على طرابلس وأهلها ولبنان كلّه، وأنّه في زيارته، انتصر مع أهل طرابلس لأجل طرابلس. فـ”نحن انتصرنا وأهل طرابلس إلى طرابلس”.
أمّا واقع الأمر، فهي أنّها كانت زيارة خالية من أيّ مضمون سياسي أو حتّى حزبي وإنمائي، أثبت فيها باسيل مرّة جديدة أنّ تضخيم حجمه وحجم وجوده ووجود تياره في المدينة لا أساس له من الصحة، وأنّ زيارته “الخاطفة” لم تجد مبرراتها، بينما هي في مضمونها مليئة بالاستعراضات العسكرية وحسب، وللقول أيضًا في الدولة والأمن: “الأمر لي”.
المدن