النظام السوري وروسيا يفتكان بإدلب: محاولة لتكرار سيناريو حلب؟
واصلت مقاتلات حربية روسية وأخرى تابعة للنظام السوري، قصف مدن وبلدات في ريفي حماة وإدلب أمس السبت، ما أدى إلى مقتل المزيد من المدنيين في المنطقة الضيقة جغرافياً، التي تضم نحو 4 ملايين مدني. ويرفع هذا الأمر التوقعات بسعي النظام والروس لتطبيق السيناريو نفسه الذي استُخدم في حلب (2016) لإخضاع شمال غربي سورية، مع اقتراب المنطقة من كارثة، وفق منظمات مختصة بتوثيق الانتهاكات بحق السوريين. بالتوازي مع التصعيد العسكري في محافظة إدلب ومحيطها، يحاول المبعوث الدولي إلى سورية، غير بيدرسن، حل عقدة تشكيل اللجنة الدستورية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، وهو أمر منوط بوقف عرقلة النظام لجهوده.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن ما سماها بـ “طائرات الإجرام الحربية التابعة للروس والنظام السوري” نفذت غارات جوية أمس السبت على كل من خان شيخون وكفريا وجنوب بابولين ومعرة حرمة وكفرعويد وكفروما في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، وكفرزيتا شمال حماة. ووثق المرصد مقتل شخص وإصابة أكثر من 10 آخرين بجراح جراء الضربات الجوية على قرية كفريا شرق إدلب، مشيراً إلى وجود مفقودين وعالقين تحت الأنقاض.
من جهتها، قالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إن “طيران النظام الحربي شنّ صباح أمس السبت ثلاث غارات على بلدة كفريا شمال مدينة إدلب، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين هم رجل وامرأة وجنينها، وإصابة تسعة مدنيين بجروح متفاوتة الخطورة”، مشيرة إلى أن “المصابين هم سبعة أطفال وامرأتان”. وذكرت المصادر أن “الدفاع المدني كان لا يزال يعمل على انتشال عالقين من تحت الأنقاض في بلدة كفريا، ما يرجّح ارتفاع حصيلة الضحايا”. ويقطن في بلدة كفريا التي هُجر أهلها العام الماضي نتيجة اتفاق أبرم منتصف العام الماضي، بين إيران و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، مهجرون آخرون من قبل النظام السوري. وكانت الطائرات الحربية الروسية قد ارتكبت منتصف ليل الجمعة – السبت مجزرة في المزارع المحيطة بمدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، راح ضحيتها ثمانية مدنيين جلّهم من الأطفال والنساء جراء استهداف المنطقة بالصواريخ الفراغية. وقالت مصادر في الدفاع المدني إن “طائرة حربية روسية استهدفت ملجأ في المزارع المحيطة في مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، بثلاث غارات جوية مستخدمة الصواريخ الارتجاجية، ما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين منهم أربعة أطفال وامرأتان”. وأكدت أن “القتلى في مدينة خان شيخون من نازحي بلدة اللطامنة في ريف حماة الشمالي”.
في غضون ذلك، أعلنت “هيئة تحرير الشام”، أمس السبت، أن “مقاتليها هاجموا نقطة المداجن في قرية كفرهود لقوات النظام في ريف حماة الشمالي، ما أدى إلى مقتل أكثر من سبعة عناصر من هذه القوات”. ودارت على مدى أيام اشتباكات بين مقاتلي الفصائل وقوات النظام في قرية الحماميات وتلّها الاستراتيجي في ريف حماة الشمالي، الا أن فصائل المعارضة اضطرت للانسحاب من التلة الجمعة نتيجة القصف الجوي المكثّف من الطيران الحربي التابع للنظام والطيران الروسي ودخول مليشيات موالية لإيران المعارك.
وفي السياق، لا تزال التقارير الصادرة عن منظمات وهيئات مهتمة بالتوثيق، تتوالى، مؤكدة ان المأساة الإنسانية في شمال غربي سورية تكاد تصل إلى حدود الكارثة نتيجة التصعيد من قبل النظام والجانب الروسي. وفي هذا الصدد، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الجمعة، إنَّ القصف العشوائي على يد قوات ما سمّته “الحلف السوري الروسي”، على محافظة إدلب وما حولها، والمستمر منذ 11 أسبوعاً، قتل ما لا يقل عن 606 مدنيين، بينهم 157 طفلاً.
وطالبت الشبكة، في تقريرها، مجلس الأمن بالتحرك، وذكرت أن “روسيا تقوم بتطبيق السيناريو ذاته منذ سيطرةالنظام السوري على أحياء حلب الشرقية في يناير/ كانون الأول 2016، وذلك باستخدام القصف الجوي الكثيف والعشوائي في كثير من الأحيان، والمتعمَّد في بعض الأحيان على الأحياء المدنية، في انتهاك مفتوح لقوانين الحرب، في ظلِّ سكوت دولي، أو إدانات خجولة”، مضيفة أن “هذا التكتيك سوف يؤدي بعد أيام وأشهر طويلة لكسب الأراضي وتشريد المدنيين”.
وأشار التقرير إلى أن الحملة العسكرية على منطقة إدلب شهدت “عودة استخدام النظام السوري لسلاح البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية”، وأن الاستخدام الموسع للذخائر العنقودية والحارقة تسبَّب في تضرر الممتلكات واحتراق آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية. كما ضمّن إحصائية نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تؤكد نزوح قرابة 330 ألف نسمة من منطقة إدلب بين 1 مايو/أيار و13 يونيو/حزيران الماضيين، وأشار إلى أن ما لا يقل عن 85 ألف منهم يقيمون في خيام بدائية في العراء تنتشر في الأراضي الزراعية مفتقدين أبسط مقومات الحياة.
ولفت إلى أن الهجمات في ذات الفترة تسبَّبت بما لا يقل عن 294 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية، من بينها 87 حادثة كانت على مدارس، و62 على أماكن عبادة، و43 على منشآت طبية، و30 على مراكز للدفاع المدني (مراكز وآليات)، و10 على أسواق، وأربع على مخيمات، 221 كانت على يد قوات النظام السوري، فيما كانت 73 على يد القوات الروسية.
على الصعيد السياسي، لا تزال الأمم المتحدة تسابق الزمن من أجل تجاوز عقدة اللجنة الدستورية للبدء في كتابة دستور سوري جديد بعد عرقلة من قبل النظام الذي قبِل تحت ضغط روسي تسهيل مهام المبعوث الأممي غير بيدرسن. وقال المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن لقاء وفد الهيئة مع المبعوث الأممي في إسطنبول التركية مساء الخميس كان “جيداً”، مشيراً إلى أن النظام السوري “يخسر في مسألة الدستور على عكس ما يروج إعلامه”. وأكد العريضي أنه من غير الواضح الموعد الزمني لإعلان تشكيل اللجنة والشروع في عملها، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على المسائل الإجرائية “بحيث يكون القرار بالتوافق، وفي حال الخلاف نلجأ إلى التصويت بنسبة 75 في المائة ما يعادل 113 صوتاً”، مضيفاً أنه “ما زلنا نضغط باتجاه تحقيق انفراج في قضية المعتقلين في سجون النظام، ووقف إطلاق النار في إدلب كجزء من إجراءات بناء الثقة ولإعطاء العملية السياسية فرصة”. وأكد أن اللجنة محكومة بما نص عليه القرار الدولي 2254 لجهة المدة التي من المفترض أن تنهي عملها خلالها. وكان هذا القرار قد نصّ على اعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية في غضون ستة أشهر، على أن تجري انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة.
وأشار العريضي إلى أن زيارة المبعوث الرئاسي الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف إلى دمشق عقب زيارة بيدرسن هي لـ”الضغط على النظام من أجل عدم عرقلة مساعي الأمم المتحدة في تشكيل اللجنة”، مضيفاً: “الروس مأزومون، خصوصاً أنهم يخسرون على جبهة إدلب، فيرتكبون مجازر بحق الأطفال والنساء”. وأكدت مصادر لـ”العربي الجديد” أنه تم الاتفاق على اسمي رئيسي اللجنة من قبل النظام والمعارضة، إلا أن العريضي رفض الإفصاح عن اسم رئيس اللجنة من قبل المعارضة في الوقت الراهن.