الحريري لن يدعو إلى جلسة تهدف إلى كسر وليد جنبلاط
الدافع الوحيد الذي يجعل كل من رئيس الجمهورية ميشال عون،
ووزير الخارجية جبران باسيل، والنائب طلال ارسلان، وخلفهم حزب الله،
متشبثين بمطلبهم في إحالة ملف حادثة قبر شمون إلى المجلس العدلي، قبل تسليم
ارسلان لمطلوبيه، هو تكريسهم لمبدأ سياسي أساسي، أدى إلى تحقيق كل ما
يريدونه طوال السنوات الفائتة، وهو أن التعطيل والضغط على الخصوم وحده الذي
سيأتي بالنتيجة التي يبتغونها. ولذلك، يعتبرون أن الإصرار على مطلبهم
مرفقاً بالمزيد من الضغط سيدفع الرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط إلى
التراجع. وهذا مسار تجلّى في “إنجاز” تسوية العام 2016، وتجلّى أيضاً في
تنازل وليد جنبلاط لتسهيل تشكيل الحكومة، عبر تخلّيه عن وزير درزي.
العدالة والسياسة
يدفع
جنبلاط اليوم، ثمن خطأه الكبير الذي ارتكبه يوم صعد إلى بعبدا، معتقداً أن
بإمكانه فتح صفحة سياسية جديدة ملؤها الثقة والأمان، فتخلّى عن وزير درزي
من حصته لصالح ارسلان ورئيس الجمهورية. لكن خطوته انقلبت عليه. فقد خسر
ورقة الميثاقية، وتنازل عن مبدأ أحادية زعامته التي كرّسها الناخبون
بصناديق الاقتراع. وقد دفع لبنان بأكمله ثمن التعطيل الذي طبع الحياة
السياسية، وأجبر خصوم التيار الوطني الحرّ على القبول بتسوية انتخاب عون.
وطالما هذا المنطق أدى قسطه مع أصحابه للعلى، فلا بد أنه الحلّ الناجع
بالنسبة إليهم باستمرار.
حتى الآن يتشبث حلفاء حزب الله ورئيس الجمهورية، بالمطالبة بإحالة الملف على المجلس العدلي. ويبدو رئيس الجمهورية أكثر المتحمسين لذلك. وهم بصدد توجيه الكثير من الرسائل الضاغطة لدفع الحريري إلى الموافقة على ما يريدون، والتراجع عن تمسكه بدعم وليد جنبلاط، ولو عبر طرح الملف على التصويت في أول جلسة حكومية ستعقد.
في المقابل، لا يزال جنبلاط والحريري على موقفهما الرافض
لمنطق الكسر. وجنبلاط أبدى تجاوبه مع إحالة الملف على المجلس العدلي. لكن
بعد انتهاء التحقيقات وتبيان حقيقة ما جرى، وإذا ما كان ذلك يستدعي إحالة
إلى المجلس العدلي. وهذا كله لا يمكن أن يتم من دون تسليم طلال ارسلان
للمطلوبين من جماعته. وهذه وحدها إشارة كافية إلى أن المقصود ليس التحقيق
والمسار القضائي، بل تسديد ضربة سياسية لوليد جنبلاط.
عباس ابراهيم وتحولات عون
خلال
الأيام القليلة الماضية، نشطت الاتصالات التي يقوم بها اللواء عباس
ابراهيم، وهو القادر على التواصل مع مختلف القوى. وفيما كان هناك مقترح
بإحالة الملف إلى المحكمة العسكرية، وافق عليه رئيس الجمهورية ومختلف
القوى، ورفضه ارسلان رفضاً قاطعاً، برز بعده بساعات موقف من قبل عون يشير
إلى تبدّل في موقفه، حين قال إن المحكمة العادلة وحدها القادرة على معالجة
ذيول حادثة قبر شمون، وتحقق المصالحة. وهذا الموقف يختلف عما كان يصر عليه
عون، حول ضرورة إجراء المصالحة قبل المحاكمة. ما يعني التصعيد بوجه وليد
جنبلاط.
وهنا تكشف مصادر متابعة لـ”المدن” إلى أن أمراً قد طرأ هو الذي دفع رئيس الجمهورية إلى اتخاذ هذا الموقف. وبالتالي، الاستمرار بدعم خيار إرسلان ولو على حساب تسيير عمل الحكومة. وعندها قرر عون أن يتم التصويت على طاولة مجلس الوزراء، الأمر الذي رفضه الرئيس سعد الحريري. واقترح عون إمكانية طرح الملف من خارج جدول الأعمال والتصويت عليه بالاقتراع السري. لكن الحريري رفض أيضاً، معلناً أنه إذا ما طُرح الملف فسيغادر جلسة الحكومة.
يحاول الحريري تجنّب التصويت، على الرغم من أن القرار لن
يمرّ، لأنه لا يحظى بالنصف زائد واحد، لكنه يعتبر أن فشل التصويت يعني
كسراً معنوياً لرئيس الجمهورية، وسينعكس سلباً على مجلس الوزراء، والذي قد
يبقى أسير تداعياته. كما أن نجاح التصويت يعني كسر وليد جنبلاط وكسره هو
تالياً.
الانتظار المكْلف
وسط الدوران في هذه الحلقة
المفرغة، وعلى إثر تأكيدات الرئيس سعد الحريري بأنه لن يدعو إلى جلسة تهدف
إلى كسر وليد جنبلاط، تحرك الرئيس نبيه بري باتجاه بعبدا، باعثاً برسالة،
تقول أن حالة التعطيل المستمرة تطال عهد عون. والعرقلة تصيب مسيرة عهده.
وعليه، فإن خيوط الحلّ والربط يجب أن تكون بيد رئيس الجمهورية، الذي
بإمكانه إقناع ارسلان بطريقة أو بأخرى التراجع عن مطلبه، مع ترتيب تسوية
ملائمة لمتابعة القضية قضائياً.
بهذا المعنى، الكرة أصبحت لدى رئيس الجمهورية، مع استكمال اللواء ابراهيم لمساعيه. لكن لا شك أن هناك خيارات عديدة يتم بحثها للردّ على وليد جنبلاط، الذي تمكّن من إعادة الفرز السياسي في البلد. ما يدل أن الضغوط ستزداد عليه وعلى الحريري بشتى الطرق والوسائل. صحيح أن عون وحزب الله يراهنان على تراجع جنبلاط والحريري كما كان الحال في السابق، لكن انتظارهما مكلف. المسألة تحتاج إلى الصمود والصبر وليس إلى تقديم تنازل جديد. فالتنازل يجرّ آخر.
منير الربيع / المدن