بعد حربي الإلغاء والتحرير حرب أهلية باردة يشنها العهد بوجه الإستقلاليين!
يبدو أن “العهد” مستمر في تسعير العداء والشقاق، فيما السجالات السياسية تتصاعد حدة وتوتراً. أما الخلافات فهي تطال كل شيء وكل الملفات والقضايا. الاستحكامات ترتفع أكثر والخنادق تتوسع وتتعمق. الجميع مستنفر ومندفع نحو الصدام.
اليوميات اللبنانية أشبه بـ”حرب أهلية باردة”، وعلامات الانهيار تتكاثر.
التسوية الهشة
الرئيس
أمين الجميل قالها بوضوح، معلناً وجوب “إعادة النظر بالتسوية الرئاسية
التي خالفت الانتظام العام واحترام الدستور والمؤسسات وأسس العمل الحكومي
(…) خرب البلد عندما قرر البعض، بحثاً عن مكاسب موقتة ومحاصصة سياسية
ووظيفية وخدماتية، فرط 14 آذار لصالح تسوية رئاسية هشة، ثبت فشلها عند أول
امتحان، وثبت بما لا يقبل الشك أن البلد يدفع راهناً أكلافاً باهظة نتيجة
هذه التسوية التي حذرت الكتائب منها في حينه ولا تزال”.
وسأل الجميل: “لمصلحة من يعطل الدستور وتعطل الدولة والمؤسسات
والهيئات الرقابية”، مجيباً “إن الرابح واحد هو تراكم الفساد والمحاصصة
والزبائنية، والخاسر لبنان والأوادم”.
ودعا إلى “حوار وطني بعقل انفتاحي يفضي إلى نتاج جديد من التفاهمات بين اللبنانيين ولمصلحة لبنان وللتوازن فيه”.
سبق كلام الرئيس الجميّل، خطاب مطول لرئيس حزب القوات
اللبنانية، سميرجعجع، تتطرق فيه إلى مجمل العناوين الأساسية، من التوظيفات
السياسية إلى معضلة الكهرباء والأزمة المالية والمعابر غير الشرعية، إلى
ملف التعيينات، وقضية قبرشمون وما يتصل بها (المجلس العدلي والمحكمة
العسكرية) والخلاف في التفسيرات الدستورية، والصراع عن الصلاحيات، وخطابات
التحريض ما بين الكحالة والبربارة، متحدثاً عن الذين “يستحضرون حروب
الماضي، وسوق الغرب، ويتقاتل مع الحزب التقدمي الاشتراكي ثم يتجه نحو
القوات ويذكر بحاجز البربارة”.. وكان لجعجع كلام تفصيلي في قضية التعامل
القضائي والسياسي مع حادثة قبرشمون، قائلاً أن “القضية أصبحت في المحكمة
العسكرية، وكل المؤشرات تدل على أن هناك أموراً مشبوهة تحصل، إذ كان يتوجب
وضع القضية بيد القاضي المعاون الأعلى رتبة، وهو القاضي فادي عقيقي، لكن لم
يحصل ذلك. ثم أُخذت من القاضي فادي صوان، وهو الرجل الحيادي، ووضعت بيد
القاضي مارسيل باسيل، ألا تثير هذه الخطوات شكوكاً؟ التحقيق الأولي بدأ في
شعبة المعلومات، والأجهزة الأمنية وافقت على التحقيقات، واليوم يعملون على
تغيير التوصيف في الجريمة. لا يجوز اللعب بالقضاء والعدالة. وهذا الأمر
مرفوض”. وبما يشبه الانتقاد التام لـ”العهد”، ختم جعجع: “الوضع يحتاج إلى
رجال دولة”.
معركة التغريدات
على مستوى آخر، من
المهم الإنصات إلى ما يتفوه به بعض السياسيين، بغض النظر عن “أحجامهم”،
على مثال “تغريدة” النائب سليم عون، قائلا: “ولى زمن التسلط والإقطاع وقطع
الطرقات، ولى زمن التهديد بالفتنة والإبتزاز، ولى زمن القناصل والسفراء،
ولى زمن اللعب على التناقضات الخارجية، ولى زمن الإستقواء بالشقيق أو
بالغريب، ولى زمن التطاول على الكبار، إنه زمن ميشال عون. وإن لم تتعلموا
بعد من تجاربكم معه، فغير مأسوف عليكم”.
عبارات النائب الزحلاوي تشير بوضوح إلى سياسة رئيس كتلته النيابية جبران باسيل، والرئيس ميشال عون نفسه: مطاردة وليد جنبلاط في معركة كسر عظم، هي أشبه بـ”حرب إلغاء” جديدة، على أكثر من جبهة.
في هذا الوقت غردت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية، مي شدياق، قائلة: “الضفدع الذي يريد أن يكون بحجم الثور! غريب أن يعتقد أي كان أنه أكبر من وطنه وأن مصير الحكومة مرتبط به! نشوة كاذبة لأداة تعطيل البلد. إحياء الوصاية، التلاعب بالقضاء، نسف الطائف، تركيع الحريري هو لعب بالنار. استشعار فائض القوة لتصفية حسابات وسياسة التطويع لن ينجحا. 14 اذار لن تطوى”.
وعلى المنوال ذاته، غرد عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص، قائلاً: “ماذا يجري في المحكمة العسكرية؟ من يدعي ومن يحقق في قضية البساتين؟ وبناء على قرارات من، وإيحاءات من؟ مونتسكيو أم روبسبيير؟ ترتطم المحكمة العسكرية في قعر العدالة. لن نبحث عن الحطام، للحديث تتمة”.
وجاء حديث النائب الاشتراكي هادي أبو الحسن في المنحى نفسه، قائلاً “أن الموضوع هو أكبر من الإحالة على المجلس العدلي بل هو وضع اليد على البلد”، معتبراً “ان محور الممانعة هو المطوّع. وهناك بعض الأدوات في لبنان التي هي العصا الغليظة”.
وتعليقاً على هذه المناخات جاءت عظة البطريرك الراعي تعبيراً عن “تأثره العميق للحالة التي وصل إليها المسؤولون من مشاجرات ومشاداة حول صلاحيات المحاكم والسلطات الدستورية”.