“صفقة القصر”… الرواية الكاملة لإقصاء “القوّات”
بين احتكار “حزب الله” لقرار الحرب والسلم وصولاً إلى احتقار الحزب بالأمس قدرات الدولة على لسان النائب حسين الحاج حسن الذي أبدى أسفه لكون “دولتنا ليست بمستوى مقاومتنا”، وبين استئثار “التيار الوطني الحر” واختصار “التيار” الموارنة بمن يولّون وجههم شطر الرابية ولاءً وانتماءً… يبسط “العهد” بجناحيه المسلم والمسيحي سطوته على البلد ساعياً إلى تكريس منطق المحسوبية أو الإقصاء في الإدارات الرسمية، وآخر تجلياته بالأمس ما حصل في قصر “بيت الدين” من إقصاء ممنهج لحزب “القوات اللبنانية” عن تعيينات المجلس الدستوري لصالح استحواذ الوزير جبران باسيل على “حصة الأسد” المارونية في المجلس انتخاباً وتعييناً.
وعن تفاصيل “الصفقة” التي أطاحت مرشح “القوات” الماروني سعيد مالك في مجلس الوزراء الذي انعقد برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بيت الدين، تفاوتت المعطيات بين فريق وآخر في شرح ملابسات ومسببات ما حصل، وتقاذف الأفرقاء كرة تحميل المسؤولية لترسو في نهاية المطاف عند الرواية التالية التي استجمعتها “نداء الوطن” من مختلف المعنيين بالملف.
فبينما “القوات” لم تخفِ حنقها من نكث الرئاستين الثانية والثالثة بوعدهما أن يصار إلى تعيين المرشح القواتي للمقعد الدستوري الماروني، بعد موافقة معراب على سحب مرشحها للمقعد الماروني المنتخب في المجلس النيابي، تقاطعت أوساط الرئاستين عند التنصل من أي عهد أو وعد مسبق بهذا الموضوع، بحيث أكدت مصادر مقربة من “عين التينة” أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يقطع وعداً لقيادة “القوات” بأن يكون المرشح الماروني المعيّن من حصة معراب، بل “أحد المرشحين المسيحيين” المعينين من دون تحديد مذهبه، وعليه فإن الحديث عن انقلاب على القوات هو “كلام مستغرب وفي غير محله”. أما الأوساط المطلعة على أجواء “بيت الوسط” فنفت نفياً قاطعاً أن يكون الرئيس سعد الحريري قد قطع وعداً بهذا الشأن لـ”القوات” إنما الموضوع كان محصوراً بين رئيس مجلس النواب و”القوات” التي أبلغت الحريري إبان انتخاب أعضاء المجلس الدستوري، بقرار سحب مرشحها الماروني بعدما كانت تعتزم الخوض في التصويت لحسم هذا المقعد في المجلس النيابي، وذلك بناءً على اتفاق مع بري بدعمه تعيين المرشح القواتي في مجلس الوزراء. وتضيف المصادر أنه وبعدما تبين للحريري خلال الساعات الأخيرة أنّ التوافق على تعيين المرشح الماروني القواتي متعذر سعى باتجاه منح “القوات” إما المقعد الأرثوذكسي أو الكاثوليكي لكنّ القرار القواتي كان: “يا ماروني يا ما شي”.
وإذ اكتفت مصادر “التيار الوطني” بتبرير إقصاء مرشح “القوات” الماروني عن المجلس الدستوري بالإشارة إلى أنّ المرشح الماروني الآخر لهذا المنصب الياس أبو عيد “أكثر كفاءة”، بدا على الضفة المقابلة من الرواية توجه حاسم لا يقبل التأويل عند تحميل كل من بري والحريري مسؤولية التماهي مع مطلب باسيل الإقصائي للقوات، لا سيما بعد الاجتماع الذي عقده مع رئيس الحكومة عشية انعقاد جلسة “بيت الدين”. ففي حين ساند “الاشتراكي” و”المردة” الموقف “القواتي”، أسف مصدر قيادي في “القوات اللبنانية” لتراجع رئيسي مجلس النواب والحكومة عن تعهدهما، موضحاً لـ”نداء الوطن” أنّ “القوات وبناءً على تعهدهما شاركت في جلسة الإنتخاب في مجلس النواب والاقتراع لمصلحة اللائحة التوافقية، ولولا مشاركتها لما كان توافر نصاب جلسة الإنتخاب أصلاً”.
وإزاء ما حصل أبدت المصادر أسفها “للخفة التي يتعامل بها البعض ضارباً بعرض الحائط تعهداته وكلامه ووعوده، فيما خطأ “القوات”، ربما، أنها اعتقدت بأن كلمة الرجال هي كلمة لا عودة عنها، ولكنها تفاجأت أنّ من أعطوا وعوداً تراجعوا عنها تحت ضغط الوزير باسيل، فهنيئاً للرجال أولاً، وهنيئاً لباسيل ثانياً على استكمال وظيفته ومهمته في تهديم الدولة ومؤسساتها”.
في الغضون، وبينما يبدي بعض الأفرقاء تخوفهم من أن يكون ما حصل أمس مقدمة لنهج المحاصصة والاستئثار في التعيينات المرتقبة الأخرى، تكشفت معلومات خلال الساعات الماضية لـ “نداء الوطن” عن اتجاه مشبوه في ما خصّ التحضير لمناقصة العقد التّشغيلي لشبكتي الخليوي يحمل في طيّاته قراراً مُعلّباً بالتّعاقد مع شركة محلّية متخصّصة بتكنولوجيا المعلومات، ما ينسف كلّ الشفافية الموعودة في هذا الإطار.
فالاتّجاه القائم، بحسب المعلومات، هو لتثبيت بند إضافي في العقد التّشغيلي الذي ينصّ على التّعاقد مع شركات عالمية وهو في وجوب امتلاك الشركات المتقدّمة للمناقصة شريكاً محلّياً، ما يطرح العديد من التساؤلات عن جدوى إدخال هذا البند، كون الاعتماد على الشركات العالمية جاء بذريعة عدم قدرة الشركات المحلّية على التشغيل. وعليه فإنّ الأنظار ستكون شاخصة باتجاه مجلس الوزراء لايضاح كيفية تعاطيه مع هذا الملف، لناحية ضبط العقود خارج كلّ التدخلات السياسيّة، وبعيداً من الازدواجية التي تنم عن شُبُهات فاضحة تُسقط ركائز المهنيّة والشفافيّة.
أما في جديد ملف تصنيف لبنان السيادي، فقد ساد الصمت الرسمي عشية صدور تقرير وكالة “ستاندرد أند بورز” في حين آثر وزير الاقتصاد منصور بطيش الاعتصام بحبل هذا الصمت، مكتفياً بالإشارة لـ “نداء الوطن” إلى أنّ بياناً مرتقباً سيصدر في هذا الشأن عن مصرف لبنان ووزارة المال بعد التنسيق بين الطرفين.