لبنان “مستقر” و”مأزوم” تحت سطح التصنيفات!
مع ان الأجواء السياسية التي واكبت جلسة مجلس الوزراء أول من أمس، خصوصاً بالنسبة الى تعيين أعضاء المجلس الدستوري وما أثاره استبعاد “القوات اللبنانية” عن هذا المجلس، طغت أمس على المشهد الداخلي، فإن صدور التقريرين الائتمانيين المتزامنين لوكالتي “ستاندارد اند بورز” و”فيتش” عن الوضع المالي في لبنان شكل حدثاً فريداً وحمل دلالات بارزة ولو ان مضمون التقويمين لم يفاجئ السلطات السياسية والمالية في لبنان.
ذلك ان التوازن السلبي الذي نشأ عن إبقاء الوكالة الاولى تصنيفها السابق للبنان من دون تعديل وخفض الوكالة الثانية هذا التصنيف جعل لبنان يقف في موقع متقدم جداً من التهيب لخطورة الاستمرار في التأرجح عند مواقع الهبات الباردة والهبات الساخنة سواء في ما يتصل باستحقاقات التقويمات الائتمانية الدولية لواقعه التي تغدو أشبه بالكشوف الطبية لمريض يعاني مراحل مرضية متقدمة، أم في ما يتعلق بتعامل السلطات اللبنانية مع المجتمع الدولي ومؤسساته المالية في تبرير وتخفيف قصور دولته عن وقف مسيرة الانزلاق نحو متاهات الانهيار.
وليس خافياً ان استجابة وكالة “ستاندارد أند بورز” للجهود اللبنانية الحثيثة التي تولاها خصوصاً رئيس الوزراء سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لعدم خفض التقويم الائتماني استندت الى جهد ضخم بذل في تقديم “الادلة” على جدية الحكومة في المضي في مسار الاصلاحات المالية استمكالا لما انجز في الموازنة، الامر الذي منح لبنان فرصة جديدة لن تتجاوز الأشهر الستة لاقناع المجتمع الدولي بصدقية التزاماته الاصلاحية.
لكن هذا الجهد لم يلق الاستجابة نفسها لدى وكالة “فيتش” بما يعني ان ميزان التقويمات الدولية حول لبنان شهد ازدواجية ورجح الكفة السلبية في ظل صدور تقويمين سلبيين عن “فيتش” وقبلها “موديز” في مقابل تقويم “ايجابي” لـ”ستنادارد أند بورز”. وقد أبقت الأخيرة تصنيف لبنان كما كان سابقاً B-، فيما خفضت “فيتش” التصنيف الى CCC. وقد استندت “ستاندرد أند بورز” في إبقائها التصنيف الى الاصلاحات الهيكلية في المالية العامة 2019، على ان تستكمل في الـ2020، خصوصاً في موضوع الجمارك والمشتريات والتقاعد والتهرب الضريبي وإصلاح الكهرباء، بما يؤدي في نظرها الى خفض عجز الموازنة. كذلك استندت الوكالة، كما أبلغت وزير المال، الى قدرة مصرف لبنان على الدفاع عن الليرة من احتياطاته. أما “فيتش” فقد أخذت في الاعتبار عند خفضها التصنيف التحديات الناجمة عن ازدياد ضغط عجز ميزان المدفوعات جراء انخفاض تدفّق الودائع في القطاع المصرفي والبطء في تطبيق خطة الكهرباء وإصلاحات القطاع. وفي حين لحظ التقرير ضرورة عمل جدي لموازنة 2020 وضرورة التزام الدولة إقرارها في الموعد المحدد، شككت “فيتش” في أن تؤدي التقلبات السياسية المتكررة الى تنفيذ السياسات الاقتصادية المرجوة.
وليلا أصدرت وزارة المال بيانا حول التصنيفين جاء فيه: اصدرت وكالة ستاندرد اند بورز(Standard and Poor’s) للتصنيف الائتماني تقريرها الدوري، وقررت على إبقاء تصنيف الدولة اللبنانية على ما هو (B- مع نظرة سلبية) خلافاً للتهويلات والتحليلات.
بلّغت الوكالة وزير المالية أن قرارها مستنداً على نقطتين اساسيتين:
1 – بدء الإصلاحات الهيكلية في المالية العامة في موازنة ???? والتي ستستكمل بإصلاحات جديدة في موازنة ???? وخاصةً في الجمارك والمشتريات ونظام التقاعد والتهرب الضريبي وقطاع الكهرباء، مما سيخفض عجز الموازنة برأيها تدريجياً إلى ???? من الناتج القومي في العام ????.
2 – تتوقع الشركة إستمرار مصرف لبنان على القدرة على الدفاع عن الليرة من خلال احتياطه. أكدت الشركة أيضاً ضرورة تنفيذ الإصلاحات المرجوة بوتيرة سريعة وخلق الجو السياسي المناسب لتحريك العجلة الإقتصادية.
بالمقابل، اصدرت وكالة فيتش (Fitch Ratings) للتصنيف الإئتماني تقريرها الدوري أيضاً الذي قررت فيه خفض تصنيف الدولة اللبنانية مرتبة واحدة من B- إلى CCC. جاء هذا التصنيف نتيجة التحديات الناجمة عن ازدياد ضغط التمويل الخارجي من جراء إنخفاض تدفق الودائع في القطاع المصرفي والبطء في تطبيق خطة الكهرباء.
كما وأشار التقرير أن الإجراءات التقشفية في موازنة ???? ملحوظة ولكن هنالك تطلع إلى خطة طويلة الأمد للسيطرة على إرتفاع الدين كنسبة من الناتج القومي.
لحظ التقرير العمل الجدي حول موازنة ???? وإلتزام الدولة باقرارها في وقتها، ولكن تشكك الوكالة بالتقلبات السياسية المتكررة التي قد تؤدي إلى التأخر في تنفيذ السياسات الإقتصادية المرجوة.
هذا التصنيف هو تذكير للبنان أن عمل الحكومة ليس ترفاً بل ضرورة قصوى في المرحلة القادمة، بما يتضمن من أهمية مناقشة موازنة ???? وإحالتها إلى مجلس النواب، الإسراع في تنفيذ خطة الكهرباء، مكافحة التهرب الضريبي وإطلاق العجلة الإقتصادية من خلال مقررات البيان الوزاري.
هنا نكرر أن هذان التصنيفان هما تذكيراً بأهمية تخفيض العجز وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي بدأنا بها وسنزيد وتيرتها في موازنة ???? وما بعد، وبمثابة تذكير أن لبنان لديه القدرة على تجاوز الصعاب فيجب عدم التراخي للحظة واحدة
السجال حول “الدستوري”
وفي الوقائع السياسية، تصاعدت السجالات المتصلة بابعاد “القوات اللبنانية” عن المجلس الدستوري. وفيما لم يصدر أي موقف بعد عن رئيس حزب “القوات” سمير جعجع من هذا التطور، تتردد معلومات عن احتمال ان يكون لجعجع خطاب “ناري” في الأول من أيلول الذكرى السنوية لـ”شهداء المقاومة اللبنانية”، من حيث رفع صوت الاعتراض على الادارة السياسية للشركاء في الحكومة والحكم من منطلق معارضة “القوات” الكثير من السياسات المعتمدة، وإن يكن ذلك لا يعني ان “القوات” ستخرج من الحكومة. واستغرب مصدر “قواتي” أمس التسريبات التي توحي بأن “القوات” تمسّكت بالمرشح الماروني لعضوية المجلس الدستوري ورفضت اختيار شخصية أرثوذكسية أو كاثوليكية. واعتبر أن هذا الزعم “يحمل أكثر من إساءة لكل الطوائف كما لسائر الشخصيات التي كانت مرشحة لمنصب عضوية المجلس الدستوري ويصوّر الأمر وكأننا كنا أمام بازار علني “تستحلي” فيه القوى السياسية شخصية منها لترشيحها”. وأضاف: “أن القوات قامت بدرس ملفات المرشحين الذين تقدّموا للمنصب دون أن يكون لها أي مرشح معين ودون أن تطلب مسبقاً ترشيح أي من محازبيها أو المناصرين من أي طائفة، كما أنها لم تطّلع على الأسماء إلّا بعد إقفال باب الترشيحات لتدرسها بعد ذلك وتختار الأكثر كفاءة من بينهم بحسب سيرته الذاتية وفقاً للآلية التي كانت تتمنى أن يعتمدها سائر الأطراف. وهكذا وقع خيارها على الدكتور سعيد مالك غير المحازب”.
وشدّد المصدر على “أن ما حصل يؤكد أكثر من أي وقت مضى ضرورة اعتماد آلية الشفافية وأن القوات لا تعتبر أنها الخاسر الأكبر، وهي اختارت مرشحاً صديقاً للقوات إستناداً إلى مؤهّلاته دون أن يكون منتسباً في صفوفها لإعطاء أمل لشباب لبنان بإمكان تبوء أعلى المناصب بقدراتهم الذاتية، وأن من يعتبر نفسه اليوم الرابح الأكبر سيكتشف غداً أنه الخاسر الأكبر، كما أن القوات لا تعتبر ان هناك درساً عليها أن تتعلمه، بل على الآخرين أن يتعظوا”.
في المقابل، أوضح المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه برّي موقفه من تعيين أعضاء المجلس الدستوري في مجلس الوزراء، فأكد أنه “بالفعل حصل إتفاق في المجلس النيابي عند انتخاب القسم الأول من أعضاء المجلس على أن يكون الماروني الثاني من حصة “القوات”، وقبل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة حاولت تنفيذ هذا الإتفاق العام فلم أستطع لتراجع الآخرين عنه، فطلبت من “القوات” إختيار مسيحي آخر الأمر الذي لم يقدم عليه في مجلس الوزراء”.
وعلقت مصادر “القوات” على بيان بري بقولها: “كان المطلوب التزام موقفه المبدئي الى جانبنا ولو فعل لتغيّرت نتيجة التصويت في مجلس الوزراء”.
في غضون ذلك، دعا رئيس الجمهورية ميشال عون الأعضاء الجدد للمجلس الدستوري الى “ان يكونوا أوفياء لقسمهم، وخصوصاً لجهة قيامهم بعملهم بأمانة وتجرد وإخلاص”، مشدداً على “التقيد بأحكام الدستور والمحافظة على سرية المداولات”. ولفت أعضاء المجلس الذين أدوا أمامه قسم اليمين في قصر بيت الدين، الى “مسؤوليتهم الكبيرة، خصوصاً ان مهمات المجلس الدستوري دقيقة وحساسة وتتطلّب مسؤولية كبرى”.
النهار