كوموندوس إسرائيلي على أطراف الضاحية.. وهجوم أميركي على المصارف!
لم تقف ملابسات عملية الاعتداء الإسرائيلي بطائرتين مسيّرتين
في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت على وقائعها الأولى في تلك الليلة.
فالتحقيقات من أجل جلاء الملابسات الأخرى التي تكتنفها مستمرة. كم أن
تداعيات الحدث وما يخفيه تتكشف فصولاً ومفاجآت. فحتى الآن لا يزال غير
محسومة حقيقة الهدف الذي كانت من أجله الطائرتان. هل كان هدفاً بشرياً؟ أم
موقعاً حساساً أم معدات مهمة؟ وهل كان الموقع يحتوي على تجهيزات تكنولوجية
متطورة؟ أم محتويات أسلحة متطورة على ما تتداوله أحاديث عن مواد تدخل في
تصنيع وتطوير صواريخ أكثر دقة؟ في سياق المعركة المفتوحة بشكل واسع، يضع
الإسرائيليون “محرمات” عديدة، منها منع حزب الله من تخزين وامتلاك صواريخ
دقيقة ومتطورة. وهم لذلك دأبوا على قصف قوافل الصواريخ أو مخازنها في
سوريا. لكن التطور الجديد هو تنفيذ عملية أمنية في لبنان، وتحديداً في قلب
الضاحية الجنوبية.
الرواية المتغيرة
وقعت
عملية الضاحية، بالتزامن مع تنفيذ غارات على مواقع لحزب الله والحرس الثوري
الإيراني في سوريا. وأصبح معروفاً أن العنصرين اللذين سقطا للحزب في
سوريا، هما من أصحاب الإختصاص في مجال عمل الطائرات المسيرة. والمعلومات
تشير إلى أن الموقع المستهدف يعود إلى فيلق القدس الإيراني. والعنصران كانا
في هذا الموقع لعملهم مع مسؤولين إيرانيين على تسيير هذه الطائرات. بينما
الهدف كان هو ضابط اختصاص إيراني مسؤول عن عمل هذه الطائرات وتوجيهها.
بالتزامن مع شنّ هذه الغارات في سوريا، تمت عملية الضاحية الجنوبية، التي تكثر التحليلات حولها، خصوصاً أن الرواية الإسرائيلية تتغير يوماً بعد آخر. ففي الساعات الأولى نفت التسريبات الإسرائيلية أي علاقة لإسرائيل بما جرى في الضاحية. واعتبرت أن الطائرتين إيرانيتان. في اليوم التالي أقرّت أن الطائرتين تعودان لها، والهدف منهما كان عملية تصوير وتجسس عادية، وأن هذا النوع من الطائرات يكون معداً للتفجير الذاتي تحوطاً لأسرها واختراقها وسحب “الداتا” (المعلومات المخزنة) منها. بالتزامن مع هذه الرواية، سرب الإسرائيليون روايات عديدة، منها أن هدف العملية هو ضرب موقع لتطوير الصواريخ، أو جهاز خلط مواد و”وقود” يجعل من إصابة الصواريخ أكثر دقة. بينما إحتمالات أخرى أشارت إلى أن العملية كانت تهدف إلى اغتيال شخصية مهمة.
الأكيد أن حزب الله أصبح يمتلك جزءاً واسعاً من المعلومات بعد
التحقيقات التي أنجزها. والأكيد أيضاً ان الإسرائيليين لديهم الرواية
الكاملة. لكن ما الذي يدفعهم إلى هذا التضارب في إصدار الروايات؟ خصوصاً أن
مكان دخول الطائرات إلى الضاحية لا يزال غير معلوم. ففيما أعلنت إسرائيل
أن الطائرات قد اطلقت من زورق حربي، إلا أن التحقيقات اللبنانية لم تثبت أي
اختراق للمياه الإقليمية اللبنانية، ليتمكن من هم في الزورق المفترض من
التحكم بالطائرتين. لذا، هناك تقديرات في لبنان تشير إلى احتمال وجود
“اختراق أمني” داخل الأراضي اللبنانية. إذ أن إطلاق الطائرتين قد يكون حدث
من لبنان. وأيضاً، لا يمكن إغفال احتمال خرق أمني في الضاحية الجنوبية،
يفسر كيف تمكن الإسرائيليون من اكتشاف وتحديد موقع الهدف؟
الأسماء المعلنة
في
بعض الروايات التي يتم تسريبها، هناك من يشير إلى أن ما حصل قد يكون عبارة
عن عملية كوموندوس اسرائيلية، تمت ما بين سوريا ولبنان، وصولاً إلى
الضاحية. قد يبدو هذا السيناريو غريباً ويصعب تصديقه، لكن أصحابه يكملون
بالقول: “إن الإسرائيليين اكتشفوا جهازاً دقيقاً لإدارة الطائرات المسيرة
أو التحكم بالصواريخ. وهو جهاز الكتروني متطور جداً. ومن يشرف على عمل هذا
الجهاز هو قائد القوات الإيرانية في سوريا الذي يعمل معه عنصرا حزب الله
اللذين سقطا فيغارة عقربا، وكان موجوداً في الضاحية الجنوبية، وفي الموقع
المستهدف. وقد كانت العملية تهدف إلى تفجيره، بإحدى الطائرات، بينما
الطائرة الثانية قد يكون هدفها التغطية والتمويه على عمل الطائرة الأولى.
ويكمل السيناريو بأن الكوموندوس غادر الأراضي اللبناني من البقاع. ولذلك
كانت الغارة التي استهدفت مواقع “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” في تلك
الليلة، لتأمين الطريق للقوة المغادرة. وربما هذا هو الأمر الذي دفع نصر
الله للقول بأنه سيردّ “في لبنان” وليس “من لبنان”.
بانتظار الوصول إلى تأكيد لأي من هذه السيناريوهات، برز
الإشهار الإسرائيلي مجدداً لبعض “المعلومات”. وهذه المرة بالإعلان عن أسماء
قيادات إيرانية وقائد في حزب الله، لعلاقتهم بتطوير الصواريخ الدقيقة.
وتحدث الإسرائيليون، عن نقل المواد الأولية لهذه الصواريخ وتجميعها
وتركيبها في لبنان، معتبرين أن نقل المواد يحصل عبر الحدود اللبنانية
السورية، وعبر مرفأ بيروت. وهنا يمكن القول أن الإسرائيلي يريد تبرير هذه
العملية أو أي عملية أخرى مقبلة أو محتملة، بالقول إن خرق القرارات الدولية
بدأ من قبل حزب الله وإيران.
الحرب المالية أيضاً
هذا
المستجد الإسرائيلي، يريد نقل المشكلة إلى مكان آخر، عبر التركيز على ملف
الصواريخ الدقيقة التي يمتلكها الحزب. وقد تكون الغاية من نشر صور وأسماء
هؤلاء المسؤولين، تهديداً معلناً بوضعهم على قائمة الاغتيال، أو التمهيد
لأعمال أخرى تحت عنوان “استهداف مواقع الصواريخ”، خصوصاً أن الإسرائيليين
بعثوا رسائل كثيرة سابقاً للمسؤولين اللبنانيين، بوجوب تفكيك بعض المواقع
في الضاحية الجنوبية وبعلبك. وقد سلّم الأميركيون اللبنانيين خرائط بأماكن
هذه المواقع. لكن حزب الله رفض الإفصاح عن أي من هذه المعلومات. كما رفض أن
يعمل ككشاف لدى الإسرائيلي.
من المهم الانتباه أنه في الوقت الذي يحضّر حزب الله للرد على عملية الطائرتين، اختار الإسرائيلي الإضاءة على ملف جديد، وهو القادة الإيرانيين العاملين على البرنامج الصاروخي للحزب في لبنان. ما قد يفتح الباب أمام احتمالات إسرائيلية عديدة، من شأنها إحراج لبنان أكثر أمام المجتمع الدولي، خصوصاً في ظل المساعي المبذولة لإرساء التهدئة ومنع التورط في مواجهة متفجرة، ولكي يستخدم الإسرائيلي ذلك في لعبة المفاوضات. كما أن نتنياهو سيستفيد من ذلك داخلياً في معركته الانتخابية.
وفي أي حال، يبقى التحسب واجباً لاحتمال إقدام الإسرائيلي على استهداف هذه الصواريخ أو مواقعها أو من هم في موقع إدارتها، بعد اعلان نتنياهو إن اسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي أمام امتلاك حزب الله لأسلحة فتاكة ضدها.
كلام نتنياهو يؤشر إلى احتمال نقل اسرائيل ضرباتها من سوريا إلى لبنان، ولو على نحو متقطع. ولكن الإعلان عن الأمر بهذا الوضوح هدفه تفاوضي، لحشر حزب الله والدولة اللبنانية، طالما أن إسرائيل كرست في أذهان العالم أن تنفيذ اعتداءات مماثلة جديدة، إنما للدفاع عن نفسها، وهي التي حذرت سابقاً اللبنانيين بضرورة إزالة هذه الصواريخ. وإذ تلكأ لبنان عن “واجباته” لجأت إسرائيل إلى تنفيذ ضرباتها.
ويتكامل هذا مع إعلان واشنطن إدراج “بنك جمّال ترست” اللبناني في لائحة العقوبات المتصلة بحزب الله، ومع معلومات تشير إلى إدراج مصارف أخرى قريباً على هذه اللائحة، تتخذ “الحرب” على حزب الله طابعاً آخر وجديداً، بعضه أمني وبعضه مالي – اقتصادي.
منير الربيع – المدن