تخيّلوا.. جمهورية لبنانية إلكترونية ودولة بلا ورق!
أُضيفت إلى الحقائب الوزارية في الحكومة اللبنانية الراهنة وزارة جديدة، هي وزارة الدولة لشؤون الاستثمار والتكنولوجيا، التي أُسندت إلى الطرابلسي عادل أفيوني. ومساهمة منه في تحويل التعهد الذي أعلنته الحكومة في بيانها الوزاري بالتحول نحو “الاقتصاد الرقمي”، في جعبة أفيوني مشاريع قد تجعل ذلك حقيقة واقعة، بعدما أستُتبع التعهد بوعود الحكومة اللبنانية (أثناء توقيع اتفاقيات مؤتمر سيدر) تنفيذ إصلاحات اقتصادية، لا يمكن تحقيقها إلا باعتماد التكنولوجيا سبيلاً فعالاً لمحاربة الفساد في الإدارات العامة وضبط الهدر في مرافق الدولة.
مغادرة الأمية التكنولوجية
يساعد أفيوني في
سعيه لترجمة أفكاره إلى أمر واقع، عاملان أساسيان: تخصصه الأكاديمي في مجال
هندسة الاتصالات، وخبرته العملية كمصرفي وخبير في اقتصاد الدول الناشئة
وفي الأسواق المالية العالمية (أمضى أكثر من 25 عاماً في مصارف استثمار
عالمية في باريس ونيويورك ولندن). واقتناع الطبقة السياسية، ولا سيما رئيس
الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، “بحياديته وتكنوقراطيته”،
ومقاربته العلمية والتقنية حين يتصدى لأي ملف اقتصادي يطرح على طاولة مجلس
الوزراء.
من مقاربته “التقنية” انطلق أفيوني منذ نحو سبعة أشهر لوضع
مداميك وزارته وهيكليتها، تمهيدا للمساهمة في دخول لبنان في خضم الثورة
الصناعية الرابعة والاقتصاد الرقمي العالمي. وهو يريد محو “الأمية
التكنولوجية” التي تعاني منها معظم إدارات الدولة، وتنتشر في عمل بعض
القطاع الخاص. وإضافة إلى تعاونه مع وزارتي الدولة لشؤون التنمية الإدارية
والاتصالات، كان لا بد من جمع “داتا” تظهر ما يعانيه القطاع الخاص
التكنولوجي من صعوبات. لذلك يجتمع الوزير مع الشركات والجمعيات والنقابات.
ومع انطلاق العام الدراسي الحالي بدأ يتواصل مع رؤساء الجامعات اللبنانية،
لإيجاد سبل التعاون بينهم وبين الوزارة، والتشاور حول كيفية استثمار طاقات
القطاع الخاص والطلاب والخريجين في مشاريع ناجحة تجهد الوزارة في تنفيذها،
سواء مع البلديات (للمساهمة في تحول خدماتها إلى خدمات رقمية). استمع إلى
آراء الشركات وتطلعاتها والعوائق التي تحول دون تقدمها في السوق اللبناني،
وإلى خبرات الجامعات وإمكانياتها في هذا المجال.
يقول أفيوني لـ”المدن” أنه يريد دعم القطاع الخاص، عبر دعم
الشباب والشركات في لبنان، لخلق بيئة أعمال مناسبة من خلال حوافز ضريبية
وتسهيلات إدارية وتشريعات تجذب الاستثمارات الخارجية. وذلك عبر قيادة حملة
لتحسين ترتيب لبنان العالمي في ما يتعلق ببيئة الأعمال التي ليست في مرتبة
متقدمة. وأضاف: “الشركات الناشئة ورواد الأعمال يشكلون فرصة فريدة
للاستثمار والتعاون. ولبنان احتل المرتبة الثانية عربياً في عدد الشركات
الناشئة بين العامين 2017 – 2016، والثالثة في العام 2018. وهذا دليل على
حيوية رواد الاعمال اللبنانيين وإمكاناتهم. ونحن لدينا قصص نجاح ممتازة في
هذا القطاع. لكن الشركات الناشئة تحتاج إلى مزيد من الرساميل والدعم للتوسع
خارج السوق اللبنانية وتستثمر طاقاتها. وهنا تكمن فرص التعاون المجدية بين
هذه الشركات وبين المستثمرين”.
محاور أربعة
المفارقة
التي يمكن تسجيلها في هذا الإطار أن أفيوني في بداية عمله ظل لأكثر من شهر
يعمل في وزارته “بالورقة والقلم” (لا كومبيوتر ولا طابعة ولا أنترنت)، بسبب
البيروقراطية الإدارية التي تعاني منها مؤسسات الدولة وحالت دون شراء
التجهيزات اللازمة. فوزارته جديدة، وانطلق بتأسيسها من الصفر، ووقف متعجباً
من الكم الهائل من الورق الذي تصرفه الدولة اللبنانية في معاملاتها
الإدارية، وفي جدول أعمال مجلس الوزراء مثلا، فيما يمكن اعتماد قرص مدمج
ورسالة عبر البريد الالكتروني لإيصال دعوة أو قرار.
لكن أفيوني بات اليوم أكثر اعتياداً على طريقة العمل هذه، وهمه الأساسي ترك بصمة في الإدارة اللبنانية، وفي التحول إلى الاقتصاد الرقمي، كي لا يقول عنه اللبنانيون إنه “وزير يطلق الوعود والنظريات، ولم يبذل جهداً لتحويلها واقعاً وملموساً”. لذا هو يسير اليوم وفقاً لمحاور أساسية أربعة: 1- تسهيل مزاولة أعمال شركات القطاع التكنولوجية بإصلاحات تشريعية وبنيوية. 2- تحفيز الاستثمارات في القطاع وتشجيع المستثمرين، وخصوصاً المغتربين، وتحسين مرتبة لبنان في السوق العالمية، لخلق البيئة الملائمة للاستثمار في القطاع التكنولوجي بإيجاد تسهيلات تشريعية وإدارية. 3- تسهيل توسع الشركات اللبنانية خارج الأسواق المحلية، وتصدير خدماتها. 4- استقطاب الشركات العالمية لاستخدام لبنان منصة أعمال إقليمية، وتحويله مركزاً إقليمياً لاقتصاد المعرفة.
يضيف أفيوني: “ما أريده هو تحقيق إنماء تكنولوجي متوازن في كافة المناطق اللبنانية، ولذلك تعاونت مع الجامعات اللبنانية بهدف خلق مناطق تكنولوجية في جهات لبنان الأربع، تساعد على قيام أعمال خاصة لكل من يرغب ولديه المؤهلات للعمل في القطاع، من دون اضطراره ليكون في العاصمة بيروت أو في المدن الكبرى. وأدرس كيفية تأمين التمويل اللازم لأصحاب المشاريع الصغيرة لمساعدتهم في الانطلاق في أعمالهم (عبر قروض ميسرة وصغيرة)، وخصوصا أن دعم مصرف لبنان بموجب التعميم 331 لا يكفي، ويجب استكماله بخطوات متلاحقة”.
أكثر من خطوة حققها أفيوني في طريق “الألف ميل” للمساهمة في سير لبنان على طريق الاقتصاد الرقمي: فتح باب التعاون مع مؤسسة (إيدال) لتحويل جزء من استثماراتها لدعم القطاع التكنولوجي. وهو يعمل مع البنك الدولي في هذا الاطار، وحقق إقرار بندين في موازنة العام 2019 تثبّت حوافز تشجيع التوظيف في قطاع اقتصاد المعرفة”. ويشرح أهميتهما: “يسهلان على المؤسسات والمشاريع الاستفادة من حوافر مؤسسة (إيدال)، والأبرز أننا أضفنا إلى حوافز (ايدال) موضوع أساسي: تكفلها تسديد اشتراكات الضمان الاجتماعي على مدى عامين، لأي شركة في قطاع التكنولوجيا تقوم بالتوظيف. وهذا يوفر نحو ربع كلفة التوظيف على الشركات، ونأمل أن يشجع خلق فرص عمل”. ويضيف: “أطلقنا في التشريع ورشة مراسيم تطبيقية لقانون المعاملات الإلكترونية المعروف بقانون 81. وهذا موضوع مهم من شأنه تسهيل تطبيق التوقيع الإلكتروني على المعاملات اليومية، وتفعيل التجارة الالكترونية، ويشكل نقلة نوعية في حياة المواطنين والاقتصاد. و في المرحلة المقبلة أمامنا ورشة جديدة: صندوق دعم القطاع التكنولوجي الذي أقرته القمة العربية التنموية الاقتصادية الاجتماعية، التي انعقدت في بيروت في بداية العام الحالي، وأوكل إليّ متابعة أعمال هذا الصندوق الذي خصصت له كل من الكويت (50 مليون دولار) وقطر (50 مليون دولار). ما يعني أن لبنان يمكن أن يلعب دوراً مهما في تفعيل مشاريع هذا الصندوق الذي تطال مشاريعه البلدان العربية، ويلقى تأييداً ودعماً من الدول العربية كلها”.
المدن