الشعب يتآمر على الزعماء: إنه المنطق العوني الباسيلي
يضحك كل من يسمع جملة “الشعب عم يستغل الزعما، والزعما معترين”، التي قالها زياد الرحباني في إحدى مسرحياته، تهكماً على الطبقة السياسية الحاكمة. ولم يتبادر إلى ذهن أحد، أن يطبّق زعماء لبنان هذه المقولة. لكن الإبداع العوني – الباسيلي فاق كل التوقعات، حين أخرجت الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد، الطاقات الإبداعية الكامنة لدى الفريق العوني، المستعد لفعل وقول أي شيء، مهما كان خيالياً، شرط الدفاع عن “العهد”.
كرة الثلج
تتفاقم الأزمات الاقتصادية
والمالية بوتيرة غير قابلة للتجاهل أو تلميع الصورة. فتراكم الإخفاقات
والإصرار على عدم تسوية أوضاع البلاد والتخفيف من الهدر والفساد، سرّع وصول
لبنان إلى حافة كل المؤشرات السلبية، وعلى رأسها سعر صرف الليرة مقابل
الدولار. وقد تنذر هذه السلبية تحديداً، بانهيار البلاد اقتصادياً ومالياً
واجتماعياً.
فأصحاب المطاحن رفعوا الصوت خوفاً من أزمة طحين، وبالتالي أزمة خبز، في
حال عدم إيجاد حل لبورصة سعر الدولار المتأرجحة داخل ما يشبه السوق السوداء
المشرّعة. وأصحاب محطات المحروقات والموزعين تمكّنوا لنحو 24 ساعة من حشر
اللبنانيين في المحطات حين أعلنوا الإضراب المفتوح وإغلاق المحطات، قبل أن
تأتيهم كلمة السر السياسية التي عبّر عنها رئيس الحكومة سعد الحريري، خلال
اجتماعه يوم الجمعة 27 أيلول، مع ممثلي نقابات أصحاب المحطات والموزعين. إذ
أعلن رئيس نقابة أصحاب محطات الوقود سامي البراكس عن وقف الإضراب
والإعتذار عن “التسرّع في اتخاذ القرار”، مشيراً إلى أن اللقاء مع الحريري
أفضى إلى “تطبيق المذكرة القاضية بتسلّم المحطات والموزعين النفط من
الشركات المستوردة، بالليرة اللبنانية. وتقوم الشركات بتبديل الليرة
بالدولار من مصرف لبنان، بالسعر الرسمي. على أن يبدأ الإجراء من يوم
الأربعاء 2 تشرين الأول”.
ومع حلّ عقدة المحروقات، أعلن تجمع أصحاب
محلات الخليوي، إغلاق محلاتهم “حتى إشعار آخر”. اعتراضاً على ما يجري من
أمور، “تخص التداول في العملة الوطنية والأجنبية أي الدولار، وما يجري من
أمور في البيع والشراء ودفع فرق صرف العملة الوطنية بشكل كبير”، وفق ما جاء
في بيان التجمع، والذي تمنى من أصحاب المحلات “الالتزام بقرار الإقفال،
وأقله 4 أيام ابتداء من يوم الاثنين 30 أيلول. وللراغبين بعدم إغلاق
محلاتهم، نرجو قطع شراء المنتوجات من بطاقات التشريج والاجهزة الخلوية حتى
إشعار آخر”.
إنها المؤامرة
كما تستعمل الأنظمة
العربية فزّاعة المؤامرة لتقييد شعوبها، وثنيها عن التحرك من أجل قضاياها
المعيشية والسياسية والحقوقية، يعمد العونيون إلى استعمال الفزاعة ذاتها
لإخماد أي محاولة للاعتراض، أو تحميل المسؤولية للطبقة السياسية الحاكمة.
وليس الهدف العوني حماية باقي أطراف السلطة، بل الدفاع عمّا يسمونه
“العهد”، أي عن فترة تولي رئيس الجمهورية ميشال عون الكرسي الرئاسي، وتفشّي
الأقارب والمعارف في جسم الدولة وإداراتها ومواقعها السياسية. حتى صار
التطلّع الاستراتيجي العوني هو حمل بطاقة رئاسة الجمهورية وقطع مسافة
السنوات الست، ومن بعدها وإن كان الطوفان، فبمنطقهم قد نجح العهد.
اعتماداً لهذا النهج، اعتبر وزير الخارجية جبران باسيل أن “هناك فتنة
جديدة تحضّر هي فتنة الاقتصاد. وهناك شركاء في الداخل يتآمرون على البلد
واقتصاده”. ومن كندا، رأى باسيل أن “هناك لبنانيين يفبركون صوراً غير
صحيحة، ليحرضوا المواطنين على الدولة بدل أن نتضامن جميعاً لتخطي هذه
المرحلة”.
أما النائب إبراهيم كنعان، فدعا اللبنانيين إلى عدم تصديق “الشائعات”. فبالنسبة إليه “لبنان ليس منهاراً ولا مفلساً، ونحن بألف خير”.
وإن
عبّر باسيل وإبراهيم عن موقفهما حيال ما يحصل، إلا أن رئيس البلاد نأى
بنفسه حتى عن العِلم، إذ نقلت قناة الـ OTV التابعة للتيار البرتقالي، عن
عون قوله: أنا كنت في نيويورك، اسألوا المعنيين، فهناك مسؤول عن النقد وهو
حاكم مصرف لبنان، ومسؤول عن المال هو وزير المال، وأنا لست على علم بما حصل
خلال غيابي”. ليعود عون ويعلم أن هناك “شائعات كثيرة حول الوضع المالي”،
ما استدعى أسفه لإطلاق الشائعات “ولتفاعل الناس معها خوفاً، رغم التطمينات.
والأزمة الأخيرة تحتاج معالجة. فور عودتي سأتابع الموضوع عن قرب”.
الشعب يتحمل المسؤولية
كما
دعا عون الشعب يوماً الى التضحية بمكتسباته خدمةً لتقشّف الزعماء، جدد
صهره دعوة الشعب إلى التضامن مع السلطة لتخطي الأزمة.. التي افتعلتها
السلطة. وعليه، يُحمّل العونيون الشعب مسؤولية المصاعب التي تلمّ بالاقتصاد
والنقد. نافضين أيديهم عن المسؤولية المشتركة مع باقي أقطاب السلطة.
واللافت أن هاجس العونيين بالسلطة أوقعهم في التناقضات. فكيف لعون وباسيل الإقرار تارة بالأزمة ودعوة اللبنانيين إثرها إلى التضامن، وتارة أخرى يُقدّم باسيل شهادة نجاح للعونيين استناداً على “ما تم إنجازه في السنتين السابقيتن”. وبنظره، ما سبق “كافٍ ليُعتبر العهد ناجحاً”. ومع ذلك، ليست تلك الخلاصات مُفاجئة. فمن يملك ذاكرة متواضعة، يستعيد من خلالها سعي باسيل إلى اختصار كل شيء وحسم نتيجته سلفاً. فهو دفع الوزراء المنضوين تحت لوائه إلى توقيع استقالات مسبقة، يجعلها هو نافذة حين يرى أن الوزراء أو أحدهم أخلّ بعمله. وهل يخلّ عوني بعمله؟ بالتأكيد، من يعتبر نفسه ناجحاً مسبقاً، حاشاه أن يخلّ بشيء.
إن كان العونيون لا يخطئون ويعتبرون أنفسهم ناجحين. وإن كان كل شيء بألف خير، ما خلا بعض المؤامرات والتحريض، فحتماً الشعب يستهدف الزعماء ويتآمر عليهم، ويتآمر على العهد، عهد الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية.
خضر حسان – المدن