هدر.. وتقشف زائف: توظيف زوجة مدير مكتب باسيل؟
نُشر في العدد رقم 44 من الجريدة الرسمية تاريخ 19 أيلول 2019، مرسوم تعيين “كل من السيد حسين سمور والسيدة دينا فضل الله نصر، عضواً متفرغاً في مجلس إدارة المؤسسة العامة للمنشآت الرياضية والكشفية والشبابية، لمدة ثلاث سنوات”، وحدد مبلغ 6 ملايين ليرة كراتب شهري لكل منهما، إلى جانب تحديد “مبلغ 9 ملايين ليرة كراتب شهري لرئيس مجلس الإدارة المتفرغ – المدير العام”.
سلطت بعض وسائل التواصل الاجتماعي الضوء على الخبر من زاوية التعيين
المستند إلى “تنفيعات”، وتحديداً بما يخص نصر، إذ قيل أنها زوجة باتريك
خوري الذي يشغل منصب مدير مكتب رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران
باسيل، فيما تم إغفال تعيين سمور.
آلية التعيين
تعيين
سمور ونصر ما عاد حدثاً عظيماً بحد ذاته، ولا حتى إذا كانت نصر زوجة مدير
مكتب باسيل أو لم تكن كذلك، فاستفادة الدائرة المقرّبة من المسؤولين
السياسيين أمر مفروغ منه في بلد تم تأسيس نظامه على التسويات والتنفيعات.
وأبعد من ذلك، فإن كبرى العائلات النافذة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً
ودينياً، استمدت نفوذها عبر خدمتها في بلاط السلاطين والولاة والزعماء، منذ
العهد العثماني مروراً بزمن الاحتلال السوري وصولاً إلى التخبّط الذي
تعيشه البلاد اليوم.
فما يستحق الحديث عنه أكثر من هوية الأشخاص، هو آلية التعيين وظروفه.
ومن هذه النافذة نعرج قليلاً على الأسماء. فالعبرة بكيفية إشغال المناصب
وبكفاءة شاغليها.
بحسب المرسوم رقم 16681 تاريخ 2006/03/30 المتعلق
بتنظيم المؤسسة العامة للمنشآت الرياضية والكشفية والشبابية، “يعين مجلس
الإدارة الذي يتألف من سبعة أعضاء بمن فيهم الرئيس ونائب الرئيس بمرسوم
يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح سلطة الوصاية وبعد استطلاع رأي مجلس
الخدمة المدنية في ما يتعلق بالموظفين والمستخدمين الخاضعين لصلاحياته”.
ويشترط في العضو أن تتوفر فيه بعض الشروط، أبرزها أن يكون “من ذوي الخبرة
والكفاءة في مجالات العمل المطلوب لإدارة المؤسسة”.
التعيين الموقع
من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزيريّ الشباب والرياضة محمد فنيش
والمالية علي حسن خليل، والذي يفترض أن يكون قد حظي بموافقة الحكومة، لا
يظهر آلية التعيين ولا يبيّن الخبرات التي يتمتع بها سمور ونصر، والتي يمكن
عبرها إفادة هذه المؤسسة العامة المعنية بـ”إدارة واستثمار المنشآت
الرياضية والكشفية والشبابية العامة، أي المدن والمجمعات والمرافق والملاعب
والمواقع المقامة لغاية ممارسة النشاطات الرياضية والكشفية والشبابية التي
تعنى بها وزارة الشباب والرياضة”.
في ظل ضبابية آلية التعيين،
تُطرح علامات استفهام على المبالغ المالية المصروفة كرواتب شهرية لمدراء
مؤسسة يعاني قطاعها إهمالاً بالغاً من قبل الدولة نفسها، بصورة يقترب فيها
وضع الرياضة من النسيان، لتبقى الوظيفة ورواتبها شاهداً صارخاً على المثل
العامي القائل: “إسم كبير ومزرعة خربانة”. فأين الرياضة والكشافة وشبابها
ومدنها؟
كما أن الموافقة الجماعية الصامتة على التعيين، تستدعي
البحث أكثر في تفاصيل التعيين. ليظهر من بعض الكتابات والتعليقات على مواقع
التواصل الاجتماعي، أن تعيين سمور التابع سياسياً لحزب الله، ونصر
المدعومة من التيار الوطني الحر، تزامن مع التجديد لرياض الشيخة التابع
لتيار المستقبل، على رأس الإدارة. وهو ما يؤكد أن الأسماء ما عادت هي
الأصل، بل الاتفاق على تقاسم الحصص.
أولويات السياسيين
لافتٌ
أمر إقحام مجلس الخدمة المدنية في عمليات التعيين المماثلة. فالمشرّعون
ألصقوا إسم المجلس كسبيل من سبل إجراء عملية التوظيف، بأن قال المرسوم
حرفياً “بعد استطلاع رأي مجلس الخدمة المدنية”، لكن الاستطلاع لا يُلزم
سلطة الوصاية والحكومة بشيء غير الاستئناس بالرأي، على أن المقصود
بالاستئناس هو زيادة المعرفة والخبرة لا إضفاء شرعية على ما يُقرَّر مسبقاً
وبالتراضي والاتفاق.
ولو أرادت السلطة لمجلس الخدمة أن يكون ذا “هيبة” كما يحلو لها التوصيف، لما عطّلت تنفيذ مفاعيل الامتحانات القانونية التي أجراها المجلس، كمثل اقتراح قانون معجل مكرر لإلغاء الفقرة الأخيرة من المادة 80 من قانون موازنة العام 2019، والتي تُعطي الناجحين بمباريات مجلس الخدمة المدنية الحق في تعيينهم وإلحاقهم في الوزارات والإدارات التي طلبتهم. ففي هذا المطلب ضربٌ للقانون ولمجلس الخدمة وللدولة عموماً.
التعيين أو رفضه، يحصل حالياً خارج المنطق والأصول القانونية حيناً وخارج الاعتبارات الاقتصادية حيناً آخر. فالسلطة تارة تخالف القانون بتعيين أتباعها وتارة أخرى تخالف الجدوى الاقتصادية والأولويات، فيصبح التعيين عشوائياً وبلا فائدة على صعيد المنفعة العامة، تماماً كالتعيين في المنشآت الرياضة.
التعيين في إدارات ومفاصل الوظيفة العامة مطلوب لغاية اليوم، فهناك شغور كبير في كثير من المناصب، وفي الوقت عينه هناك فائض موظفين وهدر للمال العام نتيجة التوظيف العشوائي الذي يسيّر أمور إدارات ليست على تماس مباشر مع حاجات الناس الملحّة، تحديداً في الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة، ويتجاهل إدارات تهدد مصالح المواطنين والسياح على حد سواء، كالكهرباء. فمجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان ينتظر تعيين أعضائه، وهو مطلب أساسي لتحسين وضع المؤسسة، وقد نصّت على ذلك ورقة سياسة قطاع الكهرباء. فبدل هدر المال في مؤسسات ومنشآت لا يضر إهمالها قليلاً معيشة المواطنين، يمكن تعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان واختصار وقت الإصلاح.
هدرٌ وتقشّف زائف هو ما يردده السياسيون ويعملون على تمريره في الموازنات المطبوخة على عجل في مطبخ التسويات. فالتقشف يفترض وقف عشوائية ترتيب الأموال على الخزينة العامة وعلى خزائن المؤسسات التي لها استقلالية مادية. ففي المحصلة، ما يُدفع في تلك المؤسسات هو من حق الدولة ومن أموال مواطنيها، وعدم الحرص على الأموال، يُسمى هدراً، كائناً من كان المتسبب بالهدر.
خضر حسان – المدن