المنطقة تدخل العصر الأميركي الإيراني وحزب الله يحصد فوائده
عندما كانت دول الخليج تسعى للبحث مع الأميركيين في آلية الرد
العسكري على استهداف إيران لمنشآت “أرامكو”، كان الرئيس الأميركي دونالد
ترامب منهمكاً في البحث عن كيفية تأمين اتصال بالرئيس الإيراني حسن روحاني.
ولو وافق روحاني على الانتقال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مكان
آمن لإجراء اتصال آمن بترامب، لربما كانت المفاوضات الإيرانية الأميركية
قد انطلقت سريعاً وعلناً.
من هو شرطي المنطقة؟
ما تريده واشنطن أصبح واضحاً. وهو الاتفاق مع إيران. كما هو الحال بالنسبة إلى اتفاقها مع روسيا ومع تركيا على توزيع مناطق النفوذ.
تسعى إيران إلى مراكمة أوراق قوتها، بانتظار لحظة التفاوض مع الأميركيين. وهذا يعني بالنظر إلى كل التطورات المتلاحقة في المنطقة، مع غياب العرب عن المشهد، أن المنطقة ستدخل العصر “الأميركي-الإيراني”، طبعاً في ظل احتساب حصة الوجود الروسي و”احترام” الدور التركي مبدئياً على قدر التزام تركيا بما يلائم سياسة واشنطن و”الشركاء” الآخرين، بما يجنبها العقوبات أو التورط في حروب استنزاف لها في مناطق شرق الفرات.
التصعيد الإيراني – الأميركي غايته تحسين كل طرف لشروطه. لكن الاتفاق بين الطرفين سيتم عاجلاً أم آجلاً. ويمكن الاستدلال عليها من المواقف الإيرانية العديدة، إن في المقالة التي كتبها وزير الخارجية محمد جواد ظريف حول مبادرة السلام في هرمز، إلى التصريح الذي أطلقه الرئيس الإيراني حسن روحاني حول دور إيران الأساسي والفعال في تأمين حماية مضيق هرمز. ما يعني السعي الإيراني للعودة بالتوافق مع الأميركيين إلى لعب دور “شرطي المنطقة”. وهذا يتكامل مع الموقف الذي أطلقه مرشد الجمهورية الإسلامية الإيراني علي خامنئي، وقال فيه أن إيران لا تسعى لامتلاك السلاح النووي، على الرغم من أنها قادرة على ذلك. وهذا جزء من الأوراق التي يقدمها الإيرانيون للأميركيين للدخول في مفاوضات وتخفيف العقوبات أو رفعها.
العصر الإيراني – الأميركي يحتاج إلى عناصر عديدة ليتكامل. تبدأ بحماية إسرائيل ولا تنتهي بالتوافق على ترسيم حدود مناطق النفوذ في المنطقة، من اليمن إلى سوريا والعراق ولبنان.
في اليمن، المسألة مناطة بأي حوار سعودي إيراني. وسيحتفظ
الإيرانيون هناك بنفوذهم. في الخليج وهرمز، فرض الإيرانيون أنفسهم بعد
سلسلة الضربات التي نفذوها كشركاء أساسيين في تأمين أمن النفط وناقلاته. في
العراق، التحركات الاحتجاجية التي تشهدها الساحة العراقية على أحقيتها
وصوابيتها، ستصب في النهاية لصالح إيران، التي ستعود بقوة عبر “الحشد
الشعبي” لبطش الحراك، ويتسلّم زمام السيطرة على الشارع والحياة السياسية
باسم “الاستقرار” والحفاظ على الدولة. أما في لبنان، فهو نسبياً ساقط
(سياسياً وعسكرياً) بقبضة الإيرانيين.
سوريا والعرب
تبقى
سوريا التي لا تزال الساحة المفتوحة على الكثير من الاحتمالات وميداناً
للتجاذب. وهنا لا بد من إدراج ملاحظة أساسية، أن من يدّعي مواجهة النفوذ
الإيراني وضرورة محاصرته وضربه، لا مكان متاح أمامه غير سوريا، التي يحقق
“الانتصار” فيها ضربة قاصمة للنفوذ الإيراني في المنطقة، في المشرق العربي.
مع ذلك، يغيب العرب عنها منذ سنوات وعلى نحو طوعي تقريباً. فهم ويا
للمفارقة يخاصمون النظام لفظاً ويسعون إلى إعادة التطبيع معه فعلاً.
يخاصمون الأتراك عملاً ويريدون مواجهة الإيرانيين خطابة. وهم في كل الأحوال
غير حاضرين. كانوا يدعمون الأكراد على الرغم من مشروعهم الانفصالي الذي
يهدد وحدة الأراضي السورية. واليوم يدينون التدخل التركي لأنه يهدد وحدة
الأراضي السورية. هذا جزء من ضياع الوجهة السياسية، وغياب الرؤية الواضحة.
وأساساً لو لم يغب العرب عن سوريا، ولولا ضياعهم بين دعم المعارضة أو حجب
الدعم عنها، لما تمكنت إيران من تحقيق ما حققته. ولما كان بإمكان الأتراك
الدخول لسد الفراغ العربي… لأن المعارضة السورية كانت بحاجة إلى حاضنة.
صحيح أن تركيا تستفيد من الانسحاب الأميركي، سياسياً وعسكرياً
وجغرافياً. لكن إيران أيضاً تستفيد. فهي لا تزال موجودة في سوريا. وحزب
الله كان أول المسارعين إلى التعليق على الانسحاب الأميركي من شرق الفرات،
على لسان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. واعتبر نصر الله أن هذا
هو مصير من يراهن على الأميركيين، الذين يتخلون عن حلفائهم بين ليلة
وضحاها، في إشارة منه إلى الأكراد. لكنه أراد إسماع حلفاء واشنطن الآخرين،
والمقصود بهم دول الخليج (وبالطبع، الداخل اللبناني). سيستثمر حزب الله
وإيران كثيراً بإعلان الأميركيين انسحابهم من شرق سوريا. وسيعلنان هزيمة
المشروع الأميركي مقابل انتصار إيران وحلفائها في خياراتها.
سيطرة حزب الله
حزب
الله الذي هلل للانسحاب الأميركي، سيستفيد من الواقع القائم وغياب أي رؤية
سياسية عربية، ليس في سوريا فقط بل في لبنان. خصوصاً أنه يمتلك أوراق
كثيرة قابلة للتفاوض والمقايضة. ومن بين هذه الملفات، ترسيم الحدود الذي
يهتم به الأميركيون إلى حدّ بعيد، نظراً لارتباطه بإسرائيل وأمنها،
ولارتباطه بملف التنقيب عن النفط أيضاً. كما أنه يمتلك ورقة قوية بدأ
التلويح بها للأوروبيين، على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد
رعد، الذي اعتبر أنه بحال عدم تقديم المساعدات للبنان فيجب على لبنان الضغط
على أوروبا بفتح أبواب الهجرة أمام اللاجئين السوريين باتجاه أراضيها.
هذه الأوراق، إلى جانب سيطرة حزب الله على الحياة السياسية في لبنان، ودخوله في التفاصيل الاقتصادية، ستعزز من موقع الحزب وإيران هنا. وسيرتكز الحزب عليها أيضاً للضغط في سبيل تخفيف العقوبات أو البحث عن طرق للالتفاف عليها. هنا تصل رسالة نصر الله لحلفاء واشنطن في لبنان، باعتبار أن المشروع الذي يراهنون عليه قد هُزم. وبالتالي عليهم الاستسلام. ولم يعد بإمكانهم الرهان على العقوبات الأميركية، التي تنعكس سلباً ليس على الحزب، إنما على الاقتصاد اللبناني برمّته.
قد يكون من حق إيران وحزب الله إعلان الانتصار، طالما أن العرب تخلوا عن سوريا كما عن غيرها من الدول العربية. ولكن هذا الانتصار المتحقق ليس على الأميركيين إنما على العرب. إذ أظهر إيران متفوقة عليهم بما يفيدها في عقد الاتفاق الكبير مع الاميركيين، والمشاركة في تقرير مصير دول المنطقة.
ما يجري حالياً في المنطقة، ولبنان من ضمنها، لم يعد بالإمكان إدراجه في خانة الصراع المبدئي أو تحت شعارات من قبيل “مواجهة الاستعمار”، إنما هو تحديداً حرب على الأدوار والنفوذ، وحول من يكون الطرف الأوثق والأجدر في إبرام اتفاق مع الأميركيين (بمعزل عن خطاب العداء لهم). ما تشهده المنطقة حالياً، هو تحول استراتيجي في بنيتها وتركيبتها السياسية، الجغرافية، العسكرية، والديمغرافية.. سواء في سوريا التي تتقاسمها تركيا وإيران وروسيا وأميركا وإسرائيل، أو في لبنان أيضاً الذي أصبح جزءاً من أراضيه مدموجاً بالأراضي السورية وخاضعاً لسيطرة حزب الله
منير الربيع – المدن