غضب دنيوي على سلطان نصرالله المقدس
في صبيحة النهار الثالث من حركة الغضب الاحتجاجي، العفوي والتلقائي والشعبي الواسع، الجذري والشتائمي، ضد سياسات أهل الحكم والسلطان في لبنان، وشمولها رموزهما كافة، ومعظم المناطق اللبنانية – ومنها مناطق سيطرة حزب الله وحركة أمل في الجنوب والبقاع وبيروت وضاحيتها الجنوبية – بدا السيد حسن نصرالله عتيقاً وفائتاً في إطلالته التلفزيونية في مناسبة أربعينية الحسين اليوم السبت 19 تشرين الثاني 2019.
الخريطة الدموية
فالشاشات
التلفزيونية التي نقلت خطبته المصورة، وصور مستمعيه في بعلبك، قسِّمت
مساحتها إلى أربع لنقل صورته إلى جانب المحتجين عليه وعلى أمثاله، في
المناطق اللبنانية. فبدا السيد نصرالله عتيقاً وفائتاً ومقيماً خارج الزمن
والمكان. تماماً كالخريطة التي وضعها خلفه في الأستديو التلفزيوني، فيما هو
يلقي خطبته الحسينية الكربلائية:
خريطة بالأحمر الدامي، لبلاد ما بين النهرين العراقية، وبلاد الشام السورية، وصولاً إلى شاطئ البحر المتوسط اللبناني. أي عندما كانت هذه البلاد لا تزال بلاد فتوح في زمن فجر الإسلام الإمبراطوري. حتى قبل نشوء الإمبراطورية الأموية الغاشمة والقاتلة لسلالة آل بيت النبي محمد.
وفي وعي السيد نصرالله ولاوعيه، ما حصل بعد استيلاء السلالة الأموية وخلفائها، وبعدها السلالة العباسية وخلفائها على هذه البلاد، لاحساب له ولا تاريخ، لأنه ليس سوى سلطان طاغوتي غاشم، ومثله ما نشأ في هذه البلاد كلها من تواريخ وحدود وشعوب ودول وسلطات ومجتمعات، طاغوتية بدورها.
كأن صاحب أحد فيالق الجيش السري الشيعي الخميني المقدس، من طهران إلى بيروت – والذي بدا أن المحتجين الغاضبين اللبنانيين أدرجوه في قائمة أهل السلطان الدنيوي في لبنان، وشملوه باحتجاجهم الغاضب وخاطبوه كما يخاطبون سواه من المتسلطين على دنياهم اللبنانية – يريد القول إن الزمن توقف منذ الإمبراطورية الأموية، عندما لم تكن قد صِيغت بعدُ الأسطورة أو الخرافة الحسينية الكربلائية، التي أعادت الثورة الخمينية إحياءها في صيغة خلاصية دموية جديدة، منذ العام 1979.
وذلك لأن الزمن والتاريخ والبشر بلا معنى، غائبون ولا وجود
لهم، منذ غيبة الأمام المهدي صاحب العصر والزمان والبلاد في خريطة السيد
نصرالله الحمراء الدموية. وهي خريطة أُزيلت منها الأديان والحدود والشعوب
والدول والحكام والمجتمعات والهموم والولاءات، إلا تلك التي صنعتها
الجمهورية الإسلامية الخمينية، وأنشأت فيها جيوشاً خاصة يقودها قاسم
سليماني، أحد مقدمي الحرس الثوري الإيراني.
الغضب الدنيوي
فكيف
لمن هذه حاله أن يشغله لبنانيون حملهم غضبهم الدنيوي على الانتفاض على
أوضاعهم المعيشية في يومياتهم اللبنانية الدنيوية والظرفية؟!
بلى، لا شيء يهمُّ السيد نصرالله فوق ما يهمه غضبهم وما يقولونه منذ أيام في احتجاجهم. وهو منشغل، بل خائف منهم أكثر بكثير من انشغال وخوف سواه من أركان السلطات اللبنانية منهم. لكنه يخفي انشغاله واهتمامه وخوفه، على منوال إخفائه سلطانه في جلباب القداسة التي أضفاها على نفسه وحزبه ومقاومته، أقله منذ العام 2000، ومنذ صِيغت كربلاء وعاشوراء وأربعينية إمامها صوغاً دينياً وسياساً دنيويين يناسب محو الحدود والدول والحكومات، وتذويب البشر والشعوب والفئات الاجتماعية وصهرهم في آتون دعوة شمولية إمبراطورية تقبض على زمامها الدنيوي فئة أو شيعة حزبية، مغلقة وضيّقة وسرية مقدسة.
لاشيء يخيف السيد نصرالله مثلما يخيفه ويخيف السيد نبيه بري أن يخاطبهما الناس، وخصوصاً الجمهور الشيعي، مثلما تعودوا مخاطبة سواهما من أركان السلطة والحكم في لبنان، منذ صار للبنان حدوداً ودولة. وهما حدود ودولة يريد السيد نصرالله نسخهما وتذويبهما في إمبراطورية وليّه الخامنئي، تلك التي انتفضت عليها مرات أجيال إيرانية في طهران وسواها من المدن الإيرانية. وانتفضت عليها أمس الأجيال الشابة العراقية في المدن الشيعية، مثلما ينتفض اليوم في لبنان جمهور شيعي واسع للخروج على ولائه للحروب المرهقة المقدسة التي خاضها ويخوضها جيش السيد نصرالله السري، ويكتم بها لغة جمهوره وأنفاسَه وكلماته.
قد يكون ما بدأ في لبنان منذ مساء الخميس، أخطر اختبار يتعرض له سلطان السيد نصرالله وحزبه ونوابه ووزرائه وبطانته وإعلامه. أولئك الذين غيّبتهم تقريباً انتفاضة الغضب، بعدما كانوا طوال سنوات مالئي الدنيا وشاغلي الناس في لبنان.
وقد ترقى مشاركة فئات من الجمهور الشيعي في انتفاضة الغضب اللبنانية هذه، إلى مصاف البطولة الدنيوية التي تنزع القداسة عن السلاح والتحرير والمقاومة وسيدها وسلطانه المقدس. وذلك خروجاً على الولاء الحديدي المرصوص لحزب دنيوي وأفعال دنيوية زمنية وظرفية.
وقد يكون أقوى أثر لهذه الإنتفاضة أنها انتفاضة دنيوية على قداسة طال زعمها الإلهي الخلاصي.
محمد ابي سمرا – المدن