تلاقي بين موقفي بكركي والمختارة… والمكابرة تتحكم بالسلطة
في حالات الخواء السياسي وفقدان القيم، تكثر الأكاذيب ومحاولات تزوير التاريخ والخروج عنه. في هذه الحقبات الزمنية، تطفو على الناس طفيليات سياسية، لا تعتاش على غير التعصب والتكاذب. تعزز وجودها بالعنصريات والتخويف، لكنها تقع في شرور أعمالها. قبل فترة كان أحدهم يصرخ بأنه يريد أن يجرف الناس من مناطقها. هدد بقلب الطاولة، فوقع تحتها وانقلبت فوقه الدنيا رأساً على عقب. لعب هذا وزمرته على تخويف الناس ونبش القبور، فلفظته الناس بكل تلاونيها السياسية والإجتماعية والطائفية والمذهبية والمناطقية من شمال لبنان إلى جنوبه.
ولكنه لا يزال يكابر، يكابر حتّى على البطريركية المارونية. في تكبّره عجرفة وصلافة، لكنها لا تؤدي إلا إلى المقتل في السياسة. كانت البطريركية المارونية في اليوم الأول لإنتفاضة الشعب اللبناني تطالب بتغيير حكومي وتغيير الوجوه الحكومية، هو المطلب نفسه الذي طالب به بداية رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط. في هذا الإلتقاء بين المختارة وبكركي، يكمن العمق اللبناني المتجذر ما بين جبل لبنان الشمالي والجنوبي، والتكامل ما بين طرفي هذا الجبل، هو الذي يبقي على وحدة لبنان ويحفظها.
في كل المرات التي حاوت أطراف سياسة أن تلعب على التفرقة بين هذين الجناحين، كان لبنان يمرّ يحروب ونزاعات دامية، لا تستقر إلا بعد إعادة اللحمة والإلتقاء. ولذلك لفظت البيئة المسيحية جبران باسيل، الذي أراد الإنقضاض على المصالحة، وأراد إعادة المتاجرة بأعصاب الناس وإستقرارهم وحتى بدمائهم كرمى لتحقيق طموحات الشخصية.
على هذا العمق المتجذر، رست المعادلة التي تحدث عنها الإعلامي المخضرم جورج غانم قبل فترة، بأن لا استمرار أو استقرار لعهد، يريد الخصومة مع المختارة والزعامة الجنبلاطية، وهذا ما لا يعرفه صغار السياسة وضعفاء النفوس، الذين ينظرون إلى خيالاتهم بإدارة ظهورهم إلى النور في الليل، فيتوهمون تضخماً، سريعاً ما يكتشفون وهمهم ويجرفهم حقدهم، وهذا ما جرى بالتحديد، لم يتعلم هؤلاء من التاريخ ولا من تجاربه.
كان وليد جنبلاط اول من أطلق الصرخة ضد هذا العهد وممارسات أزلامه، وهو الذي تظاهر حفاظاً على حقوق المواطنين والحريات الإعلامية والسياسية، وتحركه الإستباقي هو الذي شجع الناس على الخروج بإنتفاضتهم. وفيما بعد وليد جنبلاط لم يتراجع. إنما اختار طريقه الخاصة لاستكمال معركته، داخل الحكومة وفي تعديلها أو تغييرها، وإستثناء الإستفزازيين منها. عقل وليد جنبلاط الراجح، هو الذي دفعه إلى فرملة هجومه، حرصاً على السلم الأهلي، ولعلّ بعض الأميين يتعلمون. ما فعله وليد جنبلاط بتراجعه، هو إبعاد التسييس عن الحراك الشعبي والمطلبي المحق، والذي لا حاجة لتسييسه لأن التسييس سيكون مقتله. وعليه وضع هؤلاء المتوهمون امام استحقاق التعامل مع الناس، فهم إما سيستمرون بصلافتهم بتجاهل مطالب المواطنين، أم انهم سيكونون في مواجهة معهم ومع المجتمع بأسره، وبمواجهة بكركي كذلك. هذه ميزة وليد جنبلاط في السياسة، وهو الذي يعرف كيف يعطي الفرصة للناس، ولا يعطي فرصة أو شرف الخصومة لأناس لا يستحقونها وفيتراجع ويتركهم لمصيرهم، حيث لن يكون بإمكانهم النهوض بأي استثمار، لا طائفي ولا شعبوي.
الأنباء