كأن الثورة لم تندلع..حزب الله وعون والحريري يؤلّفون حكومتهم
لا تزال مفاوضات تشكيل الحكومة تراوح مكانها. كل الأطراف
تناور على بعضها البعض. الرئيس سعد الحريري يفضّل أن يعود بشخصه إلى رئاسة
الحكومة، لاعتبارات عديدة، أبرزها مؤتمر سيدر، وتنفيذ الورقة الإصلاحية.
لكن الحريري لديه شروطه. وهي حكومة قادرة على الإنجاز ولا تدخل مجدداً في
دوامة المناكفات والنكايات، كما كان الحال في الحكومة المستقيلة. أعد
الحريري حزمة شروط بانتظار مفاتحته بإمكانية التكليف ليطرحها على الطاولة.
وهذه المرة، حسب ما تشير مصادر متابعة، فإنه بصدد طرح الشروط بشكل متتابع
وليس دفعة واحدة، في إطار تحسين موقعه التفاوضي.
ترشيح الحريري والشروط
إلى
جانب خياره الشخصي بالعودة، يمسك الحريري بخيارات متعددة. لكنها كلها تدخل
في إطار المناورة وفق ما تقتضيه الحاجة، كرميّ أسماء مرشحيه لرئاسة
الحكومة، في حال لم يترأسها شخصياً. ومن بين خياراته، وفق ما تقول المصادر،
وزيرة الداخلية ريا الحسن والرئيس تمام سلام. حتى الآن، لا أحد يجزم بمدى
جديّة الحريري باقتراح هذه الأسماء، وهي تهدف إلى “حرقها”. وأول جواب تلقاه
الحريري حول الاختيار بين شخص يرشحه هو وبين شخصه، كان من الرئيس برّي
مفضّلاً اختياره هو شخصياً، وكذلك كان رأي وليد جنبلاط.
رئيس الجمهورية أيضاً يريد الحريري.. لكن بلا أي شروط. ولذلك،
يلوح له بأسماء أخرى لتكليفها بغية الضغط على الحريري. أما حزب الله الذي
يلتزم الصمت بشأن التسمية، فهو أيضاً يفضل الحريري إنما من دون شروطه. أي
لا للتكنوقراط، ولا لاستبعاد الوزير جبران باسيل. وهذا ما أوحى به أمين عام
حزب الله السيد حسن نصر الله.
حيرة نصرالله وارتباك الحزب
صحيح
أن نصر الله حاول أن يبرر هجوم المجموعات التابعة للحزب، بالتركيز على
الشتائم التي أطلقها المتظاهرون، في محاولة لإلقاء اللوم المتظاهرين (!)
إلا أنه أعطى الانتفاضة حقها عندما طرح الجلوس معها ومشاورتها. وهذا بحد
ذاته تراجع واضح، يضاف إلى تراجعه عن جزمه بوجود تمويل مشبوه أو تدخل
سفارات..
واعتبر نصر الله أن هناك من يسعى لجرّ الناس إلى مواجهة بعضها
البعض (!) لكن هذا ينطبق على الأداء الذي مارسه الحزب نفسه في محاولة
لاستدراج الحراك إلى التسييس، أو إرغام الحراك على الاصطدام ببيئته، خصوصاً
عندما كانت المجموعات المؤيدة للحزب تجوب بيروت للاعتداء على المتظاهرين،
وهم يهتفون “شيعة شيعة”، على مشارف الأشرفية أو المناطق السنّية. هم الذين
كانوا يريدون استدراج المتظاهرين أو أبناء هذه المناطق لمواجهة جمهور الحزب
والعودة إلى المتاريس الماضية، إما بانقسام سني شيعي، أو مسلم مسيحي. فهذا
الملعب هو الذي يجيد حزب الله اللعب فيه، بخلاف الملعب الجديد الذي وجد
نفسه بمواجهته أي التحركات الشعبية بمطالب معيشية واجتماعية. وهو الأمر
الذي أربك الحزب، خصوصاً في تعامله مع بيئته ومع حلفائه.
استراتيجية استيعابية
صحيح
أن نصر الله لم يكن موافقاً على استقالة الحريري، لكن ما يجري الآن يوحي
وكأن هناك توافقاً ضمنياً بعد استقالة الحكومة بين جميع مكونات السلطة، على
امتصاص الشارع، وإخماد نيرانه المشتعلة، على قاعدة “تفهم الحراك،
والمطالب”، مقابل التشكيك به أو بالبعض منه وبأهدافه، وذلك لخلخلته.
استخدام هذا المنطق يدلّ إلى أن السيناريوهات ستكون “استيعابية” وليست
دراماتيكية أو صدامية. فالحريري استقال لامتصاص غضب الشارع، وتخفيف
الاحتقان وسحب ذرائع التوتر. ويبدو أن نصر الله لاقاه عبر تغيير لغته
نسبياً وتراجعه إلى حد ما عن مخاصمة الحراك وميله إلى التهدئة.
الأكيد أن حزب الله، في هذه المرحلة، يفضل تكليف الحريري، كشخصية تتمتع بعلاقات دولية قادرة على استجلاب المساعدات، ويوفر الشرعية السنّية للحزب، كما هو حال الشرعية المسيحية المتوفرة من التيار الوطني الحرّ.
لكن الأساس يبقى في ما يريده عون وحزب الله، اللذان لا يجدان مشكلة في شخص رئيس الحكومة أو هويته وانتمائه، بقدر ما يهمهم تشكيل الحكومة بكل تفاصيلها، وتحديد آليات عملها وتوزيع الحصص وتسمية الوزراء قبل اختيار رئيسها. وهذا الذي يحتاج إلى المزيد من الوقت قبل إجراء الإستشارات، التي قد تنطلق بين يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين. الاتفاق على شكل الحكومة وآلية عملها قبل اختيار الرئيس، من شأنه أن يخضع لعملية عض أصابع بين الحريري من جهة وعون وحزب الله من جهة أخرى، خصوصاً أن غاية الطرفين تلتقي على ضرورة الإسراع في عملية التأليف بعد التكليف.
منير الربيع – المدن