الصفدي ألعوبة بيد باسيل: “حكومة مواجهة” ضد اللبنانيين
بصلافة وتجاوز لكل الأصول والأعراف الدستورية، المكتوبة وغير
المكتوبة، بل وبعجرفة تتطاول على كل المواقع في الدولة، خرج جبران باسيل
ليعلن بنفسه تكليف الصفدي وموعد الاستشارات النيابية. لم يقف عند أي حدود
في النطق نيابة عن رئيسي الجمهورية والحكومة، ويعلن أنه هو من كان يقود
المفاوضات ويطرح الأسماء.
بهلوانيات إعلامية
لا يترك
جبران باسيل مناسبة إلا ويستغلها للقول للناس ولخصومه بأنه “الحاكم بأمره”
مدعوماً من حزب الله. ولم يترك سعد الحريري فرصة، إلا وسلّم فيها كل أوراقه
لباسيل أو غيره.. مكتفياً باستمرار الألعاب البهلوانية الإعلامية. إذ بعد
إبرام الاتفاق مع باسيل، وخروج الأخير مصرحاً ومسترسلاً، ردّت “مصادر بيت
الوسط” طالبة من باسيل الصوم عن الكلام لأنه يضر بالعهد، ويحاول التعدي على
صلاحيات غيره. فالحريري يريد الإيحاء بالخلاف مع باسيل، وبثباته على قراره
لاستعادة شعبيته، كما يفعل باسيل من خلال إصراره على التصدر وإعلان كل
الاقتراحات والحلول وأنه صانعها.
باسيل اختار الصفدي طمعاً بجعله ألعوبة بيده، وطمعاً منه في
إدارة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة معاً. ولم يجد من يعيقه. أما هذا
التلاعب بين الحريري وباسيل وإدعاء البطولات، استفز شركاءهم في “التسوية”،
الذين اعتبروا أن الوقت ليس لإبراء كل طرف ذمته وتحسين شروطه.
باسيل وتوريط الجيش
إعلان
باسيل بثقة اختيار الصفدي، والإعلان عن أن الإستشارات ستكون يوم الإثنين،
هو تحدّ لكل اللبنانيين. يعرف باسيل كيف يردّ “الكيد في النحور”. فكان
الردّ على الشتائم التي طالته بأن نسج الحبكة التي يريدها وألزم الجميع
بها، من حزب الله إلى الحريري، وصولاً إلى محاولات الانقضاض على التظاهرات
والاعتصامات واختراقها وشيطنتها، ووضع المتظاهرين بوجه الجيش اللبناني،
خصوصاً أن ما شهدته ساحات التظاهر والاعتصام بعد ظهر الخميس 14 تشرين
الثاني، وفي ساعات الليل، كان ينمّ عن مخطط لضرب الجيش بالمواطنين، وإحياء
الدولة البوليسية، في مشهد لا يبشّر بالخير بالنسبة إلى تماسك المؤسسة
العسكرية وأجهزتها، فالغاية دائماً (لدى باسيل خصوصاً) إحراق قائد الجيش
وإغراقه في مواجهة التظاهرات.
الصفدي.. البديل الجاهز
حكاية
سعد الحريري مع الخسارات لا تنتهي، وحكايته مع الصفدي طويلة جداً. فالأخير
كان مرشّح رئيس الجمهورية ميشال عون لتولي رئاسة الحكومة بعد استقالة
الحريري من الرياض. خلال أحداث قبرشمون، ولدى سفر الحريري إلى فرنسا وبعد
اتخاذه موقفاً إلى جانب وليد جنبلاط، أُبلِغ أنه إذا ما استمر على موقفه
فمن الأفضل أن يبقى في الخارج، وهناك بديل جاهز لتولي الحكومة هو محمد
الصفدي. عندها تراجع الحريري عن موقفه، وعاد إلى بيروت للقاء عون والتفاهم
معه. وقد اجرى اتصالات مع بعض الوسطاء طالباً منهم تليين موقف الرئيس.
بعد اللقاءين اللذين عقدهما أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مع باسيل وسليمان فرنجية، وصدور أمر عمليات بالاتجاه نحو سوريا، كان لدى رئيس الجمهورية عتب كبير على الحريري، واعتبر أنه غير مرن وغير ليّن في الملف السوري، فطرح اسم الصفدي مجدداً لتشكيل حكومة جديدة، إذا لم يرضخ الحريري. وحينها جاء كلام باسيل عن قلب الطاولة، وعلى الحريري إما أن يكون إلى جانبه في قلبها، أو بمواجهته فتنقلب عليه.
حصل ما لم يكن بالحسبان وانفجر الشارع في لبنان. ظن الحريري أن استقالته ستُكسبه الشارع فيعود أقوى. فوقع في عمليات ابتزاز وتهويل بكل الطرق، إلى أن وصل إلى مرحلة ما عاد قادراً فيها على تشكيل حكومة بشروط باسيل وحزب الله.
عاد عون وباسيل إلى خيار محمد الصفدي، الذي أساساً كان قد زار
القصر الجمهوري بعيد استقالة الحريري. بينما كانت تُطرح أسماء كثيرة من
هنا وهناك. وفضّل الحريري البقاء في منطقة آمنة بعدم إعلان أي اسم. أصر
باسيل على الصفدي، وأقنع الحريري به، فأبلغ موافقته. هنا تضاربت المعطيات،
ثمة من اعتبر أن الحريري يتعامل بذكاء لإحراق الصفدي، خصوصاً أنه أبدى
الموافقة فقط لأنه يريد لأي شخص أن يشكل الحكومة، لكنه لم يعط الموافقة على
المشاركة فيها أو دعمها. واعتبر هؤلاء أن الحريري سينجح في إحراق الصفدي
بالشارع.
حكومة مواجهة
هناك من اعتبر عكس ذلك، وأشاروا
إلى أن الحريري قد سلّم كل شيء، للحفاظ على مصالحه. وقد اتفق مع باسيل وحزب
الله على شكل الحكومة وتقسيماتها وتوزيعاتها، على أن تكون حكومة لا تضم
وجوهاً سياسية بارزة أو مستفزة، مقابل أن يشارك فيها الحريري عبر اختيار
وزراء تكنوقراط يمثلونه. أبرم الحريري هذا الاتفاق من دون التشاور مع أحد
غير باسيل وحزب الله وحركة أمل. وبعد موافقته، أبلغ الأمر لرؤساء الحكومات
السابقين، الذين استغربوا الأمر برمته. لم يتشاور مع جنبلاط قبل اتخاذ
قراره، ولم يتم البحث بهذا الأمر بأي شكل مع القوات.
حزب الله وباسيل يظنان أنهما نجحا في تطويع القوى السياسية. وسيحاولان تكريس الأمر الواقع عبر تطويع الشارع، وإسكاته وإخماد أي رفض أو معارضة. وقد يكون هذا الخيار يحمل قدراً من الجنون. وهو قابل لإدخال البلاد في فوضى، رأينا عينة منها في بعض ممارسات الاعتقال (وخطف الناشطين) وإفلات الشبيحة أو توريط أجهزة أمنية – عسكرية في عنف ضد المدنيين.
على أي حال، حكومة الصفدي العتيدة، هي “حكومة مواجهة” ولا تحظى بغطاء عربي أو دولي، ما يوحي أن لبنان ليس فقط في أزمة بل هو “دولة مخطوفة” ومنهارة.
المدن