جبران باسيل يرقص التانغو في الدوحة
ساطع نور الدين – المدن
عندما يقول وزير الخارجية (المستقيل) جبران باسيل، في منتدى الدوحة ال19، بالامس، انه معني باسترداد حقوق المسيحيين في لبنان، بعدما قال في مؤتمر بودابست الشهر الماضي أنه يناضل من أجل وقف إضطهاد المسيحيين اللبنانيين، فإنه لا يتنكب فقط مسؤولية جديدة من خارج تقاليد الدبلوماسية اللبنانية فقط، أو يكلف نفسه بمهمة إضافية تقع من خارج يوميات السياسية اللبنانية الراهنة، وثورتها الشعبية المتقدمة، التي خصت الرجل تحديداً بأكثر مما عندها من غضب وسب وإحتجاج.
كان جبران يتجول في المنتدى، الذي إنعقد هذه السنة بحشد عربي
ودولي إستثنائي فاق ال1200 مشارك، ربعهم تشكل من وفد رسمي أميركي رفيع يليه
وفد تركي مؤثر، ووفد إيراني واسع عدا عن وفود فلسطينية وعراقية وتونسية
ومغاربية كبرى.. من دون أن يصرّف أعمال الخارجية اللبنانية ويترجمها الى
لقاءات تقدم صورة دقيقة عن لبنان، سواء بصفته ممثلا رئيسياً لسلطة مضطربة
من الداخل، او مؤيداً مزعوما لثورة شعبية صامدة في الشوارع والساحات، يحاول
من جهة ان يصادر شعاراتها ومطالبها ويتبناها، ومن جهة أخرى يحذر من تحولها
الى شتاء لبناني أسود، كما جاء في كلامه على المنبر الرئيسي للمنتدى.
لم يكن لما قاله باسيل على ذلك المنبر، في حوار حِرفي محكم
معه، من صدى سوى أن الرجل يطلق الكلام على عواهنه، أمام جمهور عربي ودولي
تواق لمعرفة المزيد عما يتلقاه على شاشات التلفزيون عن لبنان، فلا هو بقادر
على الدفاع عن سلطة يفقدها، ويضع فقدانها في خانة التضحية، ولا هو براغب
على طي صفحة طموحه الرئاسي السابق، أو نفيه صراحة، لأن الوقت كما قال هو
لإنقاذ الجمهورية وليس للتفكير برئاستها من الآن! فبدا ان جبران لم يتعلم
شيئا ولم يستخلص العبر من الثورة.. وظهر في المنتدى كأنه يكمل رقصة التانغو
البشعة التي يؤديها مع الرئيس سعد الحريري، والتي كلفت لبنان الكثير من
الخسائر المالية والاقتصادية والسياسية، ودفعته نحو الهاوية فعلا.
في إشاراته المتكررة الى حقوق المسيحيين ومصالحهم، وفي توقفه
بين الحين والاخر أمام فكرة “الاضطهاد” الذي يزعم أنهم تعرضوا له وما
زالوا، ثمة مسار يفتحه باسيل وعمه الرئيس ميشال عون، يستمد من التاريخ
اللبناني والمشرقي بعض محطاته البشعة، ويمدد نظرية الخوف المسيحي التي كانت
مهد الحرب الاهلية ومكونها الثقافي الابرز، ويقيم صلة وثيقة بينها وبين
اللاجىء الذي كان فلسطينياً قبل ان ينضم اليه السوري..والذي يشكل ذخيرة
الوعي العوني وتعويذته السياسية الأهم.
لا يختلف خطاب باسيل عن خطاب أي قيادي ماروني حصل على وكالته
التمثيلية في حقبة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، من
استثمار الخوف من الآخر، المسلم والغريب والمسلح ( وهم في سلة واحدة)، لكن
وزير خارجية لبنان ( المستقيل والمستعد للتضحية بالسلطة) لم ير حتى الان ما
يستدعي مراجعة تلك التجربة البائسة، ولا إدخال بعض التعديل عليها، في ضوء
تحالفه كرئيس لتيار سياسي أكثري وكممثل للرئاسة المارونية ، مع أقوى سلاح
لبناني خارج عن سلطة الدولة ومشروعيتها ووظيفتها الوطنية.
وكما في كل مرة يحكي فيها جبران كلاما في السياسة، بعفوية
وطلاقة، تحضر السؤال: من أين لهذا الرجل الذي لم يبلغ الخمسين، هذه المعارف
المتصلة بالماضي اللبناني السحيق، وتلك المدارك التي لم يكتسبها على أرض
الواقع، أو تلك المواقف التي كانت القيادات المارونية السابقة تستخدمها
كسلاح يوم القيامة، في مواجهة قيادات إسلامية لا تقل عنها جنوناً وعبثاً
بالتوازن اللبناني الدقيق.
الجواب الدائم على ذلك السؤال الغريب: أنه على الارجح الجهل بالتاريخ. والاغلب أن باسيل وتياره ورئيسه، لا يدرون معنى كلامهم عن إضطهاد المسيحيين وعن حلول اللاجئين والنازحين، ومعنى أن يجدوا أنفسهم مضطرين الى رقص التانغو لوحدهم.. حتى أمام جمهور منتدى الدوحة بالذات.