دياب ألعوبة القصر أم عنيد أقوى من الحريري؟
يوم رُشّح سمير الخطيب لرئاسة الحكومة، كان اللواء عباس ابراهيم عرّاب جولاته ومفاوضاته لتكليفه تشكيل الحكومة. وكان الرئيس نبيه بري لا يزال مصرّاً على سعد الحريري. لكنه وافق على مضض على الخطيب، إذا ما حظي بغطاء رئيس تيار المستقبل.
ألعوبة مضاعفة اعتذر الخطيب، فأخرج مدير عام سابق للأمن العام اسم حسان دياب، معتبراً أنه قريب من برّي ويرضيه، وأقنع به رئيس الجمهورية وقوى 8 آذار. قدّم دياب على أنه أستاذ في الجامعة الأميركية، ولديه بعض العلاقات العربية والغربية. النائب جميل السيد هو عرّاب حسان دياب. وهذا ما ظهر في إحدى تغريداته التي دافع فيها عن الرئيس المكلف.
تبدو الصورة سوريالية، في آلية تكليف رؤساء الحكومة وتشكيلها. للسيد خبرة مديدة في خوض مثل هذه المعارك وصناعة “أساطير”. وقد يستفيد المرء من إحدى تغريداته: “قصقص ورق ساويهم ناس”. هو الأذكى في صناعة كائنات من ورق.
وأصبح حسان دياب ورقة قوية في يد العهد، والسيد بداية. اليوم
يُصور وكأنه عبء على من اختاروه، بسبب ما يفتعل من خلافات معهم. وذلك
لإظهاره بأنه لا يتنازل ولا يتراجع عن شروطه، ولتقديمه على صورة مغايرة
للصورة التي كُرست للحريري، صاحب التنازلات الكبرى.
بري يستعد للانقلاب
صوّت
الرئيس بري لتكليف حسان دياب، لكنه لم يتأخر في إعلان رفضه المشاركة في
حكومته، طالما أن مسار التشكيل يسلك عبر قنوات بعيدة منه. فجر موقفه بعدم
موافقته على ما يجري. فقال لمن التقاه يوم السبت 11 كانون الثاني الجاري،
إن جبران باسيل أصبح يمتلك 9 وزراء بدلاً من 7. وهذا ما يرفضه برّي وسليمان
فرنجية، اللذان يشددان على عدم حصول أي فريق على الثلث المعطّل، ويحاولان
فرضه على حزب الله كي لا يتساهل مع باسيل. ولا يخفي الحزب عتبه الشديد على
باسيل، الذي أخّر ولادة الحكومة، ويريد اختزالها كلها وفرض شروطه في
تشكيلها.
نظراً إلى الوقائع والمواقف الحالية، يظهر أن الحكومة بعيدة التشكيل، بسبب الخلافات وعدم استعداد أي طرف لتقديم تنازلات. موقف برّي هو الأعنف لأنه يجد نفسه بعيداً من دائرة التشكيل، فيشدد على ضرورة تفعيل تصريف الأعمال. وهو تواصل مع الحريري ليعود سريعاً. وتُفترض عودته هذا الأسبوع، ليحضر لقاء تيار المستقبل، يجمع النواب والوزراء الحاليين والسابقين. وهذا ينطوي على فتح مسار سياسي جديد في إطار المواجهة التي يستعد لها الحريري.
اتصال برّي بالحريري، هدفه استعداده للانقلاب على الذين يريدون تطويقه، منسقاً لذلك مع الحريري وفرنجية لقلب الطاولة في وجه باسيل. والحريري أبلغ برّي أنه عائد، بعد زيارته الولايات المتحدة الأميركية.
أشد ما أثار برّي ودفعه إلى اتخاذ هذا الموقف، جاءه الأسبوع
الماضي من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، بواسطة اللواء عباس ابراهيم:
يتجه القصر إلى تشكيل حكومة سياسية، فوافق برّي وحزب الله سريعاً على ذلك،
تحت عنوان أنه خيارهما الأساسي، للتمكن من مواكبة التطورات في لبنان
والمنطقة. في الوقت نفسه كان باسيل يتواصل مع حسان دياب، الذي اعتبر أن طرح
عون وصهره حكومة سياسية، هدفه الضغط عليه لانتزاع تنازلات منه. قدّم دياب
التنازلات، وسلّم بوزارات الطاقة، العدل، الخارجية، الدفاع، والاقتصاد
للتيار العوني، واستبعاد دميانوس قطار من الخارجية. وعندما حصل باسيل على
مطالبه هذه، تبدّل موقفه مع عون من الحكومة السياسية، وعادا إلى حكومة
التكنوقراط. هذا ما أثار برّي، معتبراً أنه تعرّض لطعنة أو خديعة. فيما
تظهر صورة حسان دياب بأنه نجح في تثبيت شروطه، ولم يتنازل عن حكومة
التكنوقراط.
تلميع دياب
في المقابل، افتُعل السجال بين
دياب والقصر الجمهوري، على خلفية الصراع على الصلاحيات. أعلن دياب موقفاً
يرفض فيه التنازل، وتحويل رئاسة الحكومة إلى مكسر عصا. وهذا ما استدعى رداً
من وزير القصر سليم جريصاتي. واستمرت حملة التيار العوني على دياب، وهي
بالتأكيد تفيده في الشارع السنّي.
الحكومة تبدو بعيدة جداً، فيما يستشعر البعض احتمال حصول مفاجأة تشكيلها، بعد تذليل التباين بين أركان التحالف الواحد.
دياب يتشبث في موقعه. لن يتراجع أو يعتذر. مشكلة من لا يريدونه أن لا بديل منه. لذا لن يتنازل للضغوط. وقد يخدم هذا صورته في بيئته التي ترفضه، فيظهر متشبثاً رافضاً الإملاءات، وشكّل حكومته ولم يعتذر، فأعاد الاعتبار لصلاحيات رئيس الحكومة. هنا تكمن اللعبة التي يصنعها معاونوه. لكن مهما يكن، لن تستمر حكومته طويلاً أمام الضغوط المحلية والخارجية.
المدن