فضيحة الميدل إيست: عون وسلامة يشجّعان رفض الليرة؟
مرّ قرار شركات الطيران العاملة في لبنان، ومنها شركة طيران الشرق الاوسط – الميدل إيست، حصر قبول دفع ثمن تذاكر السفر بالدولار الأميركي فقط، وذلك اعتباراً من يوم الاثنين 17 شباط، مرور الكرام لدى غالبية المواطنين، الذين اكتفى بعضهم بإطلاق الشتائم ضد الطبقة السياسية، فيما سارع الراغبون بالسفر إلى حجز التذاكر وفق السعر الرسمي قبل يوم الاثنين. أما قلّة من الصحافيين والحقوقيين والناشطين، فتصدّوا للقرار منذ لحظة اتخاذه مساء يوم السبت 15 شباط، مرغمين رئيس الوزراء حسان دياب على إلزام رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، إلغاء قراره.
عدم الاكتراث الشعبي بات مفهوماً في
ظل الاصطفافات السياسية ضد ثورة 17 تشرين الأول، وضد من يرفض سياسات أحزاب
السلطة. لكن ما ليس مفهوماً هو سكوت الجهات الرقابية على خرق القوانين،
وكذلك اكتفاء دياب بطلب التراجع عن القرار، وكأن البلاد تسير بمنطق
“المَونة” الشخصية وليس بمنطق القانون.
على أن جوهر ما حصل بين مساء
السبت ومساء الأحد، يُقرأ ممّا بين سطور القرار وما جرى قبل اتخاذه، حيث
تحمل تلك الفترة، كلمة السر التي تفضح مرة جديدة تواطؤ أهل السلطة على
البلاد وأهلها ومالها.
تدخّل رئاسة الجمهورية
الطريق
الذي سارت به شركات الطيران راعى مصالحها ومصالح أصحاب وكالات السياحة
والسفر. فالقرار أتى بعد سلسلة من الاحتجاجات قام بها أصحاب الوكالات لحث
شركات الطيران على التراجع عن قرارها بيع تذاكر السفر بالليرة اللبنانية،
وفق السعر الرسمي الذي حدده مصرف لبنان بسعر 1515 ليرة للدولار، والذي كانت
قد التزمت به الشركات تماشياً مع أوضاع البلاد.
أصحاب الوكالات عملوا جاهدين على خط
الضغط السياسي، واستطاعوا إقناع رئيس الجمهورية ميشال عون، بالتدخل
لمصلحتهم باتجاه “توحيد معايير التعامل بين شركات الطيران من جهة وكل من
مكاتب السفر والسياحة والمستهلكين من جهة أخرى”، وكان لهم ما طلبوه. إذ
يشير نقيب أصحاب وكالات السفر جان عبود في حديث لـ”المدن”، الى أن أصحاب
الوكالات تواصلوا مع رئيس الجمهورية على مدى أسبوعين “وقدّمنا له كتاباً
يشرح مطالبنا، وقد تجاوب الرئيس وتحدّث مع المعنيين”.
إذن، قرار
شركات الطيران جاء “بطلب” من عون، وهو ما ترجمه سعي أصحاب الوكالات للتهليل
والترحيب بالقرار باعتباره منصفاً لهم، من دون الالتفات الى الركن الأساسي
في القضية، وهو اعتماد الدولار بدل الليرة، فأفصَحَ أصحاب الوكالات عن
“إيجابية” تدخّل عون باتجاه اعتماد التسعير بالدولار.
تنبّه اضطراري
قرار
التسعير بالدولار حذا بحملة الدفاع عن حقوق المودعين، الى إعلان نيّتها
تقديم “إخبار الى النيابة العامة المالية بحق الميدل إيست، نظراً لمخالفتها
القانون بقرارها”. بالإضافة إلى إعلان ناشطين نيّتهم التقدّم بدعاوى
قضائية فردية. وطالب الجميع النيابة العامة المالية بالتحرك لحماية المال
العام.
ردود الفعل الرافضة نبّهت المعنيين
إلى ضرورة تدارك الأمر، فأصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، بياناً ردّ
على بيان نقابة أصحاب الوكالات، والذي تطرّق لتوحيد معايير التعامل،
وبالتالي توحيد الأسعار. وأوضَح بيان الرئاسة أن عون تدخّل لتوحيد الأسعار
عبر “تطبيق القوانين اللبنانية بحيث يكون التسعير بالليرة اللبنانية”.
بالتوازي
مع البيان الرئاسي، صوَّبَ عبود موقف نقابته ليتطابق مع موقف الرئاسة
الأولى، موضحاً أن مطالب أصحاب القطاع كانت توحيد التعامل، ولم تشترط
النقابة التسعير بالدولار، وإنما تركت القرار للمعنيين، فإما أن يوحّدوا
التسعير بالليرة، أو يوحدوه بالدولار. إلاّ أن عبود لفت النظر، تعليقاً على
مخالفة قرار الميدل إيست للقوانين، الى أن النقابة “لا تعنيها القوانين،
وإنما تعنيها مصلحة القطاع”.
صمت رياض سلامة
يهوى
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لعبة الصمت، رغم مسؤوليته المباشرة حيال ما
يحصل في البلاد عموماً. فبعد صمته الممزوج بموافقته على إجراءات جمعية
المصارف المخالِفة للقانون، صَمَتَ سلامة إزاء قرار الحوت، علماً أن مصرف
لبنان يمتلك نحو 99 بالمئة من أسهم شركة الميدل إيست، ما يعني أن أموال
الشركة هي أموال عامة، بغض النظر عن الإطار القانوني الذي يحكم إنشاء
الشركة شكلياً. فاستثمارات الشركة وعمليات الصيانة وشراء المعدات وما إلى
ذلك من الاحتياجات، تتم عبر الأموال العامة الآتية من مصرف لبنان. فهل يحق
لشركة خاصة أن تصرف أموال الدولة ولا تطبق قوانينها؟.
وبعيداً عن الشكل القانوني الذي تحتكم
إليه الشركة، فإن امتلاك المصرف المركزي لغالبية الأسهم، يعني حُكماً أنه
صاحب القرار في مجلس إدارتها، وبالتالي، إما أن مصرف لبنان اتخذ القرار
المنافي للمصلحة العامة، وإما أنه قاصر عن فرض رأيه في شركة يملكها. والمثل
يقول: لا رأي لمن لا يُطاع. وهنا، يصبح من الضروري التساؤل عمّن يتحكّم
بالشركة وقراراتها. وفي جميع الأحوال، السكوت علامة الرضى.
استغلال باسيلي
وسط
السجالات حول القرار وردود الفعل المرتبطة به، سارع التيار الوطني الحر
إلى استغلال الموقف، فأعلن الوزير السابق جبران باسيل توجّه تياره لرفع
دعوى قضائية ضد الشركة، في خطوة تشي بأن التيار العوني حريص على المال
العام. لكن البحث في الملفات المرتبطة بعلاقة باسيل والميدل إيست، تقدّم
التفسير الأوضح لسبب رفع الدعوى. فباسيل يخوض معارك سياسية شرسة مع تيار
المستقبل وحركة أمل للسيطرة على الشركة، وأتاه قرار التسعير بالدولار،
كهدية غير متوقّعة ليستغلها سياسياً.
أما إذا كانت نية التيار العوني صادقة، فها هي إجراءات جمعية المصارف مستمرة، فليقدّم التيار دعاوى قضائية ضدها، وليحرّك جمهوره ضد سياسات مصرف لبنان. أوليست ودائع اللبنانيين ورواتبهم، أموالاً عامة من منظور مجتمعي؟ وأبعد من ذلك، وليست الأموال المهدورة في مؤسسة الكهرباء ومشاريع وزارة الطاقة، أموالاً عامة؟
أُلغيَ القرار، لكن مجرّد اتخاذه وسط صمت المعنيين وعدم تحرك الأجهزة الرقابية، يؤكد التواطؤ، ويؤشر لاشتداد الأزمة التي تعيشها البلاد. والأخطر من كل ذلك، هو إعلان لبنان جمهورية “المَونة” وليس جمهورية الاحتكام إلى القانون.
المدن