خطوة إلى الأمام… خطوتان إلى الخلف
ظافر ناصر -الأنباء
تجدّد حلم التغير وأمل الإصلاح في لبنان عند شريحة واسعة من شباب لبنان بعد إنتفاضة 17 تشرين 2019.
إرادة التغيير الحقيقية التي رفعها اللبنانيون مشروعة ومطلوبة نتيجة ما وصل إليه واقع لبنان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واقع معاش يعاني منع كل مواطن في حياته اليومية المأسورة بقواعد ومعايير مفروضة عليه من نظام سياسي يستحيل تحقيق حلم التغيير دون المسّ به.
والمسّ بالنظام السياسي اللبناني يعني اللعب على أوتار قلق الطوائف المسكونة بهواجس تاريخية ومصيرية كمجموعات مرتبطٌ مصيرها بمصير هذا النظام، حتى وإذا كانت مقاربة هذه الهواجس ومعالجتها عبر طمـأنة هذه المجموعات من خلال نظام مدني مواطني حقيقي.
وطالما أن هذه المعالجة بهدف الوصول لنظام مختلف أمر بغاية الصعوبة والتعقيد مرحلياً، هذا فضلاً عن العوامل الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة في حياتنا السياسية، أليس من المنطقي التفكير بمرحلية الاصلاح بدل الحديث عن تغيير شامل غير متاح راهناً؟
وإذا كانت الواقعية بالسياسة اقتضت قبول قوى سياسية بهذه الصيغة والتعايش معها حفاظاً على وجود ما، أو دور ما، دون إغفال ضرورة المراجعة الذاتية للأداء وتصحيح الأخطاء حيث وجدت، إلا أن ذلك لا يجب أن يمنع هذه القوى من خوض غمار تحدي الإصلاح الحقيقي بعيداً عن شعبوية البعض الذي حلّق عالياً بجناحي الإصلاح والتطوير ومحاربة الفساد لكنه حط على أرض الفساد والصفقات والسمسرات.
تحدي الإصلاح المطروح حالياً – وفي ظل إستحالة تغيير النظام الآن – يرتكز وإنْ من باب التذكير لا الحصر على بعض العناوين المحددة التي أعلنها وتبناها الحزب التقدمي الاشتراكي بشكل واضح، وهي:
1 ــ إقرار قانون استقلالية القضاء.
2 ــ قانون جديد للأحزاب.
3 ــ قانون موحد مدني للأحوال الشخصية .
4 ــ الضريبة التصاعدية على الأرباح.
5 ــ قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي على أساس نسبي وإقرار مجلس الشيوخ.
وهذا، بواقعية تامة، لا يستقيم إلا من خلال إدارة سياسية نزيهة همّها الشأن
العام ومصلحة المواطن، وهو أمر لا تضمنه القوانين ولا الأنظمة إنما
القناعة بأن السياسة وسيلة إنجاز للمجتمع، وربما هذا ما نفتقر إليه في
مجتمعاتنا في عمق التوجهات والأهداف.
إذاً، إذا كان التغيير الجذري غير ممكن في هذه المرحلة، فهل يمكن تحقيق جزء منه بخطوات ثابتة؟
هل يمكن أن يكون بعض الحراك واقعياً حتى لا تضيع الفرصة كون الانقلاب الكامل متعذراً إذا لم يكن مستحيلاً؟
التفكير بواقعية الآن مسؤولية مشتركة بين الثورة التي فرضت واقعاً جديداً وبين الأحزاب المسؤولة والمعنية أيضاً في دفع عجلة الإصلاح الممكن قدماً. وليس في ذلك خسارة أو هزيمة، فالواقع الجديد الذي فرضته الثورة لا يمكن تجاوزه وإنْ لم يرتقِ بعد إلى مستوى المشروع والبرنامج؛ كما أن الأحزاب وناسها وتاريخها لا يمكن إلغاؤها وإلغاء دورها.
ربما الطرفان محكومان بواقعية القاعدة التي تقول “خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الخلف”.
(*) أمين السر العام في الحزب التقدمي الإشتراكي