مبادرة فارس سعيد الوطنية: عون وحزب الله ليسا قدراً
منير الربيع – المدن
فارس سعيد لا يتعب.
هو العامل دوماً على خط إنشاء المبادرات. لم يتوفق عند حدود
الأمانة العامة لقوى 14 آذار. لكن طروحاتها لا تزال حاضرة في أفكاره،
للخروج من الانقسام اللبناني.
ويعلم سعيد أن الزمن تخطى تلك اللحظة
وذلك الانقسام، ليصبح لبنان في مرحلة أخرى من تحولات كبرى على الصعيد
السياسي. بدأ هذه المرحلة بتسوية 2016، وتطبيع معظم القوى السياسية
اللبنانية علاقتها بحزب الله، وتسليمه السيادة مقابل سيئ من النفوذ وفتات
السلطة.
عون الكارثة
يقيم فارس سعيد على موقفه المعارض
للتسوية. خاصم رفاق الأمس: القوات اللبنانية، وتيار المستقبل، والحزب
التقدمي الإشتراكي. ولا يزال على موقفه المعارض لـ”الجنون العوني” الذي
يدفع المسيحيين إلى التهلكة، أو إلى الهجرة.
فخطاب جبران باسيل المستفز
للقوى اللبنانية الأخرى، يرى سعيد أنه ينعكس سلباً على المسيحيين، ويحيي
لدى بعضهم أوهام الفدرالية من بوابة اللامركزية المالية. وهذه نتائجها
كارثية على الدور المسيحي المؤثر، والذي تعرض لضربات قاسمة: أولاها أيام
ترأس ميشال عون الحكومة العسكرية أواخر الثمانينيات من القرن المنصرم.
وثانيتها رضوخ الجميع لانتخاب عون رئيساً للجمهورية، ليخسر لبنان بكامله
اليوم خسارة فادحة في ظل وجوده في القصر الجمهوري.
القرية المهجورة
ويخشى
فارس سعيد على المسيحيين من مصير “بجرّين”، وهي إحدى قرى قضاء جبيل، فيها
حوالى 20 منزلاً لمسيحيين، تتوسطهم كنيسة مار الياس. منازل القرية خالية من
أهلها الذين هجروها قبل 100 سنة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وانقطع
ذكرهم في لبنان. حتى أن رواية تتحدث عن غرقهم في البحر.
لكن القرية لا تزال تحافظ على كيانها، على الرغم من خلو منازلها المهجورة. وفي حال استمرار المسيحيين في دورهم التمايزي بين اللبنانيين، واصطفافهم سياسياً إلى جانب المشاريع الإقليمية، فإن ذلك ينعكس على دورهم الآخذ بالتضاؤل، ولن تؤدي إلا إلى هجرتهم.
في هذه المعادلة يقدّم سعيد نفسه مسيحياً مارونياً لبنانياً،
عربي الهوية والانتماء. وهو يعمل مع مجموعة من الناشطين السياسيين من طوائف
مختلفة، على إطلاق حركة “المبادرة الوطنية 2020″، لإعادة تصويب الهدف
السياسي في لبنان: إبعاده عن سياسة المحاور، وإعادته إلى حضن الشرعيتين
العربية والدولية. وفي هذا السياق يطرح الوصول إلى دولة مدنية، تلغى دولة
الانقسام والتشرذم الطائفيين والمذهبيين.
لا خوف ولا أوهام
وفارس
سعيد في مبادرته، يرفض الإستسلام لمنطق الواقعية السياسية الذي يتحدث عنها
“رفاق الأمس”، لتبرير توافقهم مع حزب الله، وتسويغ عدم دخولهم في مواجهة
معه، لإعادة الاعتبار إلى سيادة الدولة على قرارها وأرضها وشعبها، وصولاً
إلى حدود التسليم بـ “انتصار” حزب السلاح مع محوره الإقليمي.
سعيد يشدّد على عدم الاستسلام لذلك. لا بل يعمل على مواجهة هذا النموذج ومقاومته، بلا خوف ولا أوهام عن وصول هذا المحور إلى تفاهم مع الاميركيين، وبالتالي استحالة هزيمته. وعمله يهدف إلى إحياء عروبة لبنان وسيادة الدولة الوطنية، على حساب الأحلاف السياسية.
حفّزت ثورة 17 تشرين اللبنانية قوى متعددة على إعادة تنشيط نفسها سياسياً، وربط الأزمة المعيشية بالأزمات السياسية المتعددة، وازمة علاقة لبنان بالمجتمعين العربي والدولي.
وقوة مباردة سعيد هي في سعيها إلى عدم تدفيع لبنان أثمان سياسات دولية وإقليمية رعناء، تنعكس على الوضع المعيشي للبنانيين. وقد يكمن زخم المبادرة في تزامنها توقيتها مع تلقي حزب الله ضربة قاسية في الشمال السوري، تمثلت بدفعه ثمناً باهضاً من دماء شبانه ومقاتليه. ما يمنحها صدى واسعاً يتعلق بضرورة العودة إلى لبنان والمعادلة الوطنية.