دياب “التكنوقراطي”: البلد يضيع وهو يفتش عن المدسوسين
تسير الحكومة إلى مزيد من التخبط. وهي في سباق مع أطراف وجهات كثيرة: الناس وغضبهم الكبير، القوى السياسية المعارضة، المجتمع الدولي، والوضع المالي والاقتصادي والمعيشي.
مراوحة وشعبوية وظهر حتى الآن أن الحكومة، ومعها رئاسة الجمهورية، غير قادرين على تقديم أو فعل أي شيئ لتجنيب لبنان مزيداً من الانهيار. بلى، تراوح الحكومة مكانها، تُقدِم وتحجم، وتؤلف لجاناً للنظر في الأمور، ثم تفتح معركة وتسارع إلى التراجع عنها. وفي كل خطوة تتراجع عن التصعيد وتلتزم الهدوء. أما ما يبرز ويتقدم فليس سوى النزعة الشعبوية التي بها تلتقي مع رئيس الجمهورية ومع مكوناتها الكثيرة المختلفة.
فمع عملها على إنجاز الخطّة الاقتصادية، ارتأت حكومة حسان
دياب أن تحوّل نفسها إلى ضابطة عدلية. وهذا لا يمكن لمنطق أن يتخيّله.
وكادت الحكومة أن تنفجر من داخلها في جلسة الثلاثاء الماضي، فيما هي تناقش
التدابير التي أعدتها وزيرة العدل ماري كلود نجم. وتراجعت الحكومة عن تلك
التدابير بشكل أو بآخر: اعترض وزراء على صيغتها التي تحطم ما تبقى من
الدولة المهشمة، سواء بتكليف أجهزة أمنية بالتحقيق بملفات فساد داخل
المؤسسات أو الوزارات، أو كشف حسابات مصرفية، علماً أن هذه المهمة يجب أن
تكون منوطة بالقضاء وليس بغيره.
مكافحة الفساد
واعترض
وزراء على ابتعاد الحكومة عن أداء مهامها. رئيس الوزراء طلب صلاحيات
استثنائية لنفسه، وطلب أن تفوّضه الحكومة شخصياً عملية مكافحة الفساد
وتحديد الفاسدين. أثار طلبه هذا استغراب وزراء وجهات سياسية محلية وخارجية.
وكأن الرجل يطمح إلى أن يكون قائد أركان وليس رئيس حكومة.
اعترض بعض الوزراء على مداولات الجلسة الوزارية كلها، ووصفوا
ما يجري بالخروج على القوانين. وحصل نقاش مطوّل مع وزيرة العدل حول ورقة
تدابيرها التي أقرت، أخيراً، بأنها مخالفة للقانون. وكانت ذريعة التدابير
إرضاء الناس المنتفضين في الشارع. ثم سرعان ما وقعت الحكومة بتناقض جديد،
عندما وصف رئيسها المتظاهرين بأنهم مندسون.
قلب الحقائق
منذ
تشكيلها تقدم الحكومة نفسها بأنها جاءت من رحم ثورة 17 تشرين. أي من رحم
التظاهرات والاحتجاجات التي شيطنتها بالأمس. يتجلى هذا التناقض في أن من
العوامل التي دفعت الناس إلى التظاهر مجدداً، هو شن رئيس الحكومة هجومه على
حاكم مصرف لبنان. فبذلك أسهم بتعرية البلد المكشوف أصلاً، وفتح الباب
واسعاً للتحركات ضد المصارف. وهذا تناقض ثان وقعت الحكومة فيه.
وكحال تناقضاتها في الإجراءات والقرارات، هناك تناقض في قراءة الحكومة للمواقف الدولية وتقديرها. هذا ما تظهَّر في قلبها الوقائع رأساً على عقب، خصوصاً في ما يتعلق باتصال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان برئيس الحكومة حسان دياب. فالبيان الصادر عن رئاسة الحكومة يتناقض تماماً مع البيان الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية.
الموقف اللبناني اختصر الأمر بالتمنيات. أرادت رئاسة الحكومة
تسجيل انتصارات، فتحدثت عن مواقف فرنسية داعمة لها ولخطتها الاقتصادية التي
لم تُنجز بعد. وتحدث البيان اللبناني عن سعي فرنسا لعقد اجتماع لمجموعة
الدعم الدولية. لكن بيان الخارجية الفرنسية جاء مناقضاً تماماً: لم يأت على
ذكر دعم لبنان ودعم الخطة الاقتصادية والمالية، ولا عن عقد اجتماع لمجموعة
الدعم الدولية. بل أشار فقط إلى التنسيق وانتظار خطة عمل الحكومة.
تزوير المواقف
تشير
مصادر متابعة إلى أن فرنسا تبدي اهتماماً كبيراً بالواقع اللبناني. فباريس
تسعى إلى تحقيق نظرية لا غالب ولا مغلوب. أي عدم دخول الحكومة في معارك
سياسية.
وهذا يطابق سعي فرنسا الدائم إلى البقاء على تماس مع الواقع اللبناني وتقديم المساعدة للبنانيين، لأن الصيغة والنموذج يعنيانها. أما مفتاح المساعدات فلدى الأميركيين الذين لا يبدو أنهم في وارد الإفراج عنها بعد. لا سيما في ضوء الموقف الذي أصدره مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط والمكلف بالملف اللبناني ديفيد شنكر: ضرورة إنجاز الإصلاحات وتلبية مطالب المتظاهرين. وهذا يعني أن الأمور لا تزال في النقطة الأولى.
المدن