ماذا لو تم تحرير سعر صرف الدولار؟
كامل ابراهيم – الأنباء
بعد الإعلان عن الخطة المالية والاقتصادية للحكومة جرى التداول بأن هذه الخطة استندت على سعر صرف للدولار بحدود 3500 ليرة لبنانية، في حين تم طرح خيار تحرير سعر الصرف استباقاً للشرط الذي قد يطلبه صندوق النقد الدولي من لبنان لقبول طلب المساعدة، ثم تراجعت الحكومة عن البت بالموضوع بانتظار مزيد من البحث.
الا ان الحديث عن ارتفاع السعر الرسمي لصرف الدولار او تحريره سيكون له تداعيات اجتماعية ومعيشية كارثية على اللبنانيين بكل ما للكلمة من معنى، بحال لم يقترن مع تحفيزات ضرورة للاقتصاد وإعادة هيكلة لقروض المواطنين بالدولار على الليرة، وسواها من الخطوات. فأي صورة سوداء يمكن ان ترتسم للمرحلة المستقبلية اذا ما تم الإقدام على تحرير سعر الصرف دون أي إجراءات استباقية او استكمالية؟
الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لفت في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية أن شروط صندوق النقد لم تتغير منذ باريس 2 “وهي تقوم على وقف كل أشكال الدعم التي تقوم بها الدولة، من الكهرباء الى تحرير سعر صرف الليرة كما حصل في مصر، إلى فرض ضريبة على البنزين، ورفع الضريبة على القيمة المضافة من 10 الى 15% وخفض كلفة القطاع العام من حيث العدد والكلفة، كإنقاص عدد الموظفين من خلال صرفهم إلى حوالي النصف خلال خمس سنوات، وليس الانتظار الى حين إحالتهم الى التقاعد”.
وأكد شمس الدين ان هذه الاجراءات “كلها موجعة”، سائلاً: “من يستطيع أن يصرف موظفا من الدولة؟ من يستطيع أن يفرض ضريبة على البنزين المدعوم؟ أو رفع سعر تعرفة الكهرباء؟”. وتابع: “يمكن أن يتجاوب صندوق النقد مع الدولة كأن يعطي مهلة في بعض الأمور، مثلاً بموضوع تحرير سعر الصرف لليرة ليصبح تدريجياً حسب تطور الوضع، لكن نحن لا نستطيع تحرير سعر الصرف لأننا نمر بأزمة”.
وأوضح شمس الدين أنه اذا كان المواطن اللبناني قد اقترض سابقاً بالدولار، وهذه حال غالبية اللبنانيين، ثم تم اليوم تحرير سعر الصرف، فيصبح حينها من اقترض ألف دولار وكان يسددها على أساس سعر الصرف 1500 ليرة بقيمة 200 دولار شهريا اي 300 الف ليرة حالياً، غير قادر على تسديد القسط الذي سيبلغ مثلا 2000000 ليرة بحال بلغ سعر الصرف 5000 ليرة، و”هذا مكمن الخطر فإذا ما تم تحرير سعر الصرف لن يعود باستطاعة أي كان تسديد قرضه”.
وأضاف شمس الدين: “اليوم ورغم ارتفاع الاسعار فإن اللبناني لا يزال يقوم بسد احتياجاته من مأكل ومشرب ويسدد فاتورة الهاتف على اساس السعر الرسمي للدولار 1500 والأمر نفسه بالنسبة للبنزين وعقود الايجار الموقعة بالدولار، وعليه فاذا ما تم تحرير سعر الصرف يصبح عندها اللبناني غير قادر على متابعة العيش، خاصة وأن الدولة غير قادرة على زيادة الرواتب، وهذا مكمن الخطر”.
وأشار شمس الدين الى أن الدولة غير قادرة على صرف موظفين، أو زيادة رواتب، لذلك يمكن أن تكون شروط صندوق النقد مقبولة، عدا موضوع صرف الموظفين وتقليص حجم القطاع العام وتحرير سعر الصرف، لان هذا الامر اذا ما أرادت الحكومة تطبيقه سيخلق حال من الفوضى في البلاد وأزمة لا تنتهي”.
وعن قيمة القرض الذي سيحصل عليه لبنان، أشار إلى أن القرض للبنان سيكون بحدود 900 مليون وقد يصل الى 3 مليار ، وغير صحيح أن لبنان سيحصل على 10 أو 15 مليار فهذا كلام انشائي، مذكراً بأن مصر أخذت عام 2016 من صندوق النقد 12 مليار و”لكن هذه مصر التي يوازي حجمها لبنان بأكثر من مئة مرة”.
وقال شمس الدين: “اذا وافقت الدولة على شروط صندوق النقد المتعلقة بتحرير سعر الصرف، او صرف موظفين، تكون وقعت في مشكلة أكبر من حجم الدين واتجهت نحو أزمة مفتوحة، وبرأيي لن يكون بقدرة الحكومة أن تلبي شروط صدوق النقد”.
وختم شمس الدين: “لا يوجد في لبنان أزمة اقتصادية، هناك أزمة سياسية، فاذا حلّت أزمة السياسة يهدأ الوضع الاقتصادي، واذا كان للأزمة الاقتصادية التي نمر بها اليوم حيّز معين لكن الأزمة سياسية وتترجم بالاقتصاد، فكل دخل الناس اليوم الذي تآكل بنسبة 70% يذهب لتوفير الطعام فلا يوجد أحد يقوم بتسديد ديونه للبنوك وغيرها من الفواتير. واذا كانت شروط صندوق النقد الدولي والاجراءات المطلوبة من لبنان صعبة سواء تعلق الامر بموضوع تحرير سعر الصرف أو تقليص حجم القطاع العام فالدولة اللبنانية غير قادرة على تلبية هذه الشروط، لأنها ستشعل ثورة شعبية تصل الى الفوضى، خاصة أن ما سيأتي من صندوق النقد ليس بالرقم الذي يستحق التضحية وهو 3 مليار كحد أقصى”.