هبط الدولار ولم تنخفض الأسعار: السوبرماركت جمهوريات المستقلّة
يأمل كبار المستوردين انخفاض أسعار الدولار ليخفّضوا أسعار سلعهم، فيلتمس المستهلكون الانخفاض ويعمُّ السرور. هذه خلاصة لا تليق حتّى بأفلام الرسوم المتحرّكة، إذ يكتشف الأطفال زيفها بمجرّد تكرارها من دون نتيجة تُذكَر، فكيف بعقول المستهلكين الذين تمَرَّسوا بفهم حركة الأسعار منذ طوابير الطحين والأفران والتخزين في الحرب الأهلية وصولاً إلى تكرارها منذ انفجار الأزمة في العام 2019. فلا الدولار يهدأ على أسعار متدنية، ولا أسعار السلع تتلاءم مع انخفاض الدولار. والذريعة الدائمة هي التقلُّب.
تراجع المحروقات
تتأثّر أسعار المحروقات مباشرة بارتفاع أو انخفاض أسعار الدولار. على أنّ التماس نتائج الانخفاض بأسعار السلع، يزداد ضبابية كلّما انصهرت المحروقات مع باقي أكلاف الإنتاج.
في المحطات، الأسعار لا لُبس فيها. تحددها وزارة الطاقة في جدول تركيب الأسعار الذي صدر مرّتين في يوم واحد، على وقع التراجع الكبير للدولار من نحو 33 ألف ليرة إلى نحو 27 ألف ليرة. لكن أصحاب المحطّات لم يرحّبوا بالانخفاض المستمر، في ظل عدم ربطه بخفض أسعار الشركات المستوردة، وعدم وضع آلية لشرائهم المحروقات بالليرة على غرار بيعهم بها.
لا يهتم المستهلك بتفاصيل العلاقة بين المحطات والمستوردين، فلكلّ منهم طريقته في تحقيق الأرباح. وهُم يملكون القدرة على تخزين المواد والتحايل على تخفيض الوزارة لسعرها، وانتظار الارتفاع للإفراج عنها، وهو ما حصل سابقاً في ظل أزمة الطوابير.
ومع إمكانية التخزين، يبقى للمواطن هامش كبير للاستفادة من تخفيض الأسعار. والجولة على محطات المحروقات، تظهر تراجع أسعار البنزين إلى 362 ألف ليرة للصفيحة من عيار 95 أوكتان، ونحو 382 ألف ليرة للصفيحة من عيار 98 أوكتان، ونحو 363 ألف ليرة لصفيحة المازوت، ونحو 320 ألف ليرة لقارورة الغاز.
في المقلب الآخر، فإن تراجع الأرقام لا يعني الشريحة الأكبر من المواطنين طالما أن التقلّب بين الارتفاع والانخفاض يحصل فوق سقف يبتعد كثيراً عن القدرة الشرائية للرواتب والأجور. فسعر صفيحة البنزين يلامس عتبة الـ400 ألف ليرة، وانخفاضها إلى ما بين 380 ألف و350 ألف ليرة، له الوقع ذاته بالنسبة لموظّف أو عاملٍ لا يحصّل 300 ألف ليرة يومياً. فمتوسّط الأجور اليومية للموظفين، تتراوح بين 20 و50 ألف ليرة. ومَن حظي من موظفي القطاع الخاص بتصحيح نسبي للأجور، ما زال غير قادر على مواكبة تطوّر الأسعار. والخوف يبقى قائماً في ظل مطالبة أصحاب المحطات برفع الأسعار وزيادة جعالتهم، وصولاً إلى التسعير بالدولار.
انخفاض أسعار الخبز
ولأن المحروقات تدخل في صناعة الخبز، وتحديداً المازوت، يؤدي انخفاض سعرها إلى تراجع أسعار ربطة الخبز. وهو ما أعلنته وزارة الاقتصاد يوم أمس، استناداً إلى تراجع أسعار الدولار والمحروقات. فأصبح سعر ربطة الخبز الصغيرة 5500 ليرة بدل 6000 ليرة، وسعر الربطة الكبيرة 9000 ليرة بدل 11000 ليرة، والربطة العائلية 11000 ليرة بدل 12000 ليرة.
لكن الأبرز في هذه الجزئية ليس انخفاض الأسعار، بل تحذير المطاحن والأفران من أزمة طحين، مع أن وزارة الاقتصاد تؤكد توافره. وبالتالي، يدرك المواطن أن التحذير الدائم يعني ارتفاع الأسعار مجدداً بحجة الشحّ هذه المرة وليس ارتفاع الدولار.
جمهورية السوبرماركت
فَقَدَ قطاع السوبرماركت مصداقيته مع إثبات تلاعب غالبيته بالأسعار وتخزين المواد وعدم التزامهم بسعر الدولار في السوق، رغم اتخاذه ذريعة لرفع الأسعار. وبات معروفاً أن ارتفاع سعر الدولار يعني ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فيما انخفاضه لا يُلزِم السوبرماركت بخفض أسعارها. ووفق هذه الحقيقة، لم يلتزم الكثير من أصحاب السوبرماركت بحركة الدولار الذي تراجع كثيراً (نحو خمسة آلاف ليرة تقريباً).
أما حجّة الخوف من عودة ارتفاعه، فيكشفها أحد أصحاب السوبرماركت الذي يؤكّد لـ”المدن” أن “بامكان الجميع خفض الأسعار فور انخفاض الدولار، فالجميع يحوِّل حصيلة بيعه من الليرة إلى الدولار سريعاً، على الأقل مرّتين يومياً، ولا يشتري بضائعه يومياً. فيتمكّن بذلك من شرائها بالدولار ساعة يشاء ووفق سعر الدولار في كل لحظة. أي أن لا أحد يخسر في هذه الحالة، وكل ما في الأمر هو تراجع معدّل الربح أحياناً”.
تفصيل مهم يلفت صاحب السوبرماركت النظر إليه، وهو تأثير التاجر الوسيط على تحديد الأسعار في السوبرماركت. فيقول أن “الموزّع أو التاجر الوسيط بين المستورد والسوبرماركت يتحكّم بالأسعار، وهو من يقرر سعر سلعة ما يومياً، وأحياناً أكثر من مرة في اليوم. ويتّصل بصاحب السوبرماركت ليخبره بما عليه اعتماده من أسعار وفق ما يتوّقعه من ارتفاع للدولار. وفي الغالب، يكون الارتفاع مقرَّراً مسبقاً، كما بات ملاحَظاً من خلال تلاعب المنصات الالكترونية بالأسعار”.
وبانتظار التسعير “يخزّن الوسيط البضاعة ويقنن وصولها للسوبرماركت بهدف رفع أسعارها، وهو ما يحصل اليوم مع انخفاض سعر الدولار. فما زال الكثير من السلع مقنناً، وأبرزها الزيت. ولذلك، لم يلمس المستهلك انخفاض الأسعار إلا جزئياً في بعض السوبرماركت والمحال ولبعض المواد الغذائية”.
يضحك صاحب السوبرماركت عند سؤاله عن الرقابة. وبرأيه “هذا السؤال لا يجب ان يُطرَح في لبنان، لأن مَن يفترض بهم المراقبة، هم الجهات نفسها التي تغطّي كبار التجار والمتحكمين بالسوق وأسعار المواد والدولار”. ويخلص إلى اعتبار أن “السوبرماركت عبارة عن جمهوريات مستقلة”.
بالتوازي، يؤكّد رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، أن النقابة “ستقدّم الاثنين المقبل لوزارة الاقتصاد، لوائح بأسعار جديدة، على أن يلمس النّاس هذا الأمر بعد يومين”. لكن بحصلي يربط الأسعار الجديدة بـ”استمرار انخفاض سعر صرف الدولار”.
قطاع اللحوم
شهدت أسعار اللحوم البيضاء والأسماك تراجعاً طفيفاً يتراوح بين 5 إلى 8 آلاف ليرة. فيما أسعار اللحوم الحمراء بأقل من ذلك، وصولاً إلى عدم التراجع في بعض المناطق، إذ تستلم الملاحم من المسالخ بالأسعار المرتفعة عينها قبل انخفاض الدولار، وتتراوح أسعار الكيلو بين 205 آلاف ليرة و220 ألف ليرة. ومن المنتظر أن تتّضح المعالم أكثر في اليومين المقبلين.
جمعية حماية المستهلك
لا يعلّق رئيس جمعية المستهلك زهير برّو، آمالاً كبيرة على انخفاض أسعار المواد الغذائية، لأن “التاجر يبقى على الجهة الآمنة، وهي تسعير بضاعته بما يفوق سعر الدولار في السوق، لأنه يتوقع الارتفاع في اليوم نفسه أو الأيام المقبلة”.
يخلص برّو في حديث لـ”المدن”، إلى أننا “أمام حالة غير مستقرة، ولذلك لم تلتمس الجمعية أي تغيُّر يذكر في الأسعار، فالكل ينتظر ارتفاع الدولار قريباً”. ولبّ المشكلة برأيه يكمن في “هوية الاقتصاد اللبناني غير المنتِج”. وبذلك، فإن “الناس تضرب يومياً بستار حديدي صلب، لا أفق لانهياره”.
مَن يناط بهم الحل، بالنسبة إلى برّو يتهرّبون لإخفاء حجم الخسارة التي أصابتهم على مستوى المصارف ومالية الدولة، ويحاولون تمديد مهلة الانهيار لإطفاء الخسائر. لذلك لا اتفاق مع صندوق النقد قريباً، ولا استقرار للدولار ولا تراجع فعلي لأسعار السلع.
المدن