عون يجمع الأقطاب خوفاً على باسيل من القصاص الأميركي
ما كان الرئيس ميشال عون ليفكر بعقد لقاء جامع للقوى السياسية الأساسية في البلاد، لولا عمل بعضها على تعطيل الاجتماع الذي دعا إليه سابقاً، وتخوفه من ما هو آتٍ.
المدرسة العونية ليس من طبع ميشال عون أن يلجأ إلى خصومه، ولا إلى من يهاجمهم ليل نهار، وبنى ديماغوجيته الكاملة والموصوفة على مهاجمتهم. وها هو لا يسعى اليوم إلا لالتقاط صورة له، متحلقين حوله، ليؤكد لهم أنه هو رئيس بلادهم. البلاد التي تنهار ويحمّلهم مسؤولية انهيارها.
ففي لحظات خوفه لا بد له من اللجوء إليهم باحثاً عن غطاء ومشروعية. وسلوكه هذا معلم من معالم السوريالية السياسية اللبنانية، ومؤشر على عطب جمهور يتملكه النسيان وانعدام التفكير والتقدير.
حسان دياب مصاب بالعرض نفسه. فهو وقف معلناً أنه “ليس منهم”، وشّن هجومه على الآخرين، فأصاب عون وحزب الله وحركة أمل وجبران باسيل، وكل من يشاركه في الحكومة. وهذا كله تجلٍّ من تجليات شعبوية يركن إليها أقطاب السياسة في لبنان. فدياب ووزير تربيته تدربا على هاتين الشعبوية والديماغوجية في المدرسة العونية: يهاجمون شركاءهم ويستقيلون من تحمّل المسؤولية.
المشهد سيتكرر كثيراً في المقبل من اليوميات اللبنانية. وهو
دليل على الإفلاس والتخبط في مواجهة الضغوط الكثيرة. لكن هجوم دياب ينقلب
عليه يوماً بعد يوم: من تصعيده ضد حاكم مصرف لبنان، وصولاً إلى قوله إن عون
هو الذي لا يريد إقالة الحاكم. والحقيقة أن الجميع يخاف إقالة سلامة، لا
سيما من كان متحمساً لإقرار التعيينات المالية والسيطرة عليها، ثم عبّر عن
ندمه عليها، متوقعاً الشراسة الأميركية الآتية لامحالة.
العهد راحل ودياب متفرج
اللقاء
الذي يدعو إليه عون، يغيظ دياب الذي هاجم القوى السياسية كلها. سيجد نفسه
محاطاً بهم، يستمع إليهم وإلى ما يتقنونه في فنون المسايسة. لكن الصورة
ستكون منقسمة إلى ثلاثة أقسام: ميشال عون، نبيه بري، ورؤساء الجمهورية
والحكومة السابقون. أما دياب فسيكون متفرجاً لا غير.
عون يبحث عن غطاء وتجديد لمشروعيته السياسية، بعد معاركه الكثيرة الخاسرة. حاجة إلى ذلك بداية تهدئة، وتفكير بمرحلة ما بعد نهاية ولايته، والتحضير لولي العهد.
مثل هذا الطموح لا بد من اقترانه بتحسين العلاقات السياسية مع
القوى كلها، لتوفير التوافق حول ولي العهد. سنوات العهود والولايات
الرئاسية في لبنان، مجرّبة ومعروفة: في سنتي العهد الأخيرتين يبدأ البحث عن
الرئيس البديل المقبل، والرئيس الحالي يعيش في هاجس التحضير لنهاية عهده.
الخوف على الصهر
لا،
ليست الأزمات السياسية، ولا الاقتصادية المالية والمعيشية، ما يدفع عون
إلى ترتيب لقاءات الصلح والتهدئة. هدفه الرئيسي مدارُه الشخص الواحد: جبران
باسيل، الذي يريد الرئيس تجنيبه أي شكل من أشكال الضغوط أو العقوبات
الأميركية، التي لو حصلت وأصابت صهر العهد يستحيل عليه الوصول إلى بعبدا.
الخوف والانقلابات العونية تبرر كل شيء في الديماغوجية
الشعبوية العونية. ففي هذا الأسبوع يفترض أن تصدر لائحة عقوبات أميركية
جديدة، تتضمن أسماء لبنانيين مسيحيين يقيمون خارج لبنان. ولكنهم سياسياً
محسوبين على العونية، أو يلتقون معها. وهناك تعاون مالي وتجاري بينهم وبين
النظام السوري.
عقوبات لتكبيل باسيل
حسب المعلومات، كان
مؤجلاً إدراج هذه الأسماء على لائحة العقوبات. لكن ثمة من وجد أهمية في
تقريب موعدها، لتكون رسالة مباشرة وقاسية له ولفريقه، ومن شأنها تكبيل
جبران باسيل والضغط عليه أكثر فأكثر.
لن يتوقف الأميركيون عن هذه الإجراءات. المؤشرات تفيد أنهم ماضون في ضغوطهم وتصعيدهم، لإحداث تغيّرات سياسية يريدونها. وهي تغيرات سترخي حتماً بظلالها على المشهد اللبناني، ليس على علاقات باسيل وتياره بالنظام السوري فقط، بل على علاقاته بحزب الله، وعلى حزب الله نفسه.
المدن