إلى الشرق وأقصاه.. كلنا رهائن
دعا الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، اللبنانيين إلى التفكير ببديل اقتصادي عن الدولار والغرب وأميركا. إيران، كبديل جاهز وقائم، ولو أنه يعاني ما يعانيه في السياسة والاقتصاد والمجتمع. وكل هذا معطوفاً على خيارات في النظام واللا حرية واللا ديموقراطية والدينية المركّزة والطائفية المنقّحة. بديل غير نموذجي، غير قابل للحياة، يعيش من حروب المنطقة وعلى دماء شعوبها وأشلائها. لمواجهة مؤامرة الغرب، المتمثلة بالعقوبات والحصار وقانون قيصر وغيره، يمكن الانضمام إلى مؤامرة أخرى اسمها إيران. نفسها، التي دمّرت العراق وسوريا وشرذمت اليمن. هيّا بنا إلى الشرق، بوعي أو من دونه. لنضرب ما تبقى من هذا البلد ودستوره وقوانينه وناسه ونسيجه وحرياته وخياراته، إن بقي منه شيء أساساً. هيّا بنا إلى الشرق.
أشلاء بلدان وأنظمة
نغمة
اللجوء إلى إيران، تعود إلى العلن من جديد. طموح قديم، دائم التجدّد.
أولاً في تسليح الجيش وتدريبه. ثم في الدواء والاستشفاء. بعدها بالبضائع
والسلع. كل هذا مصحوباً بالتقديم الدائم للمنظومة التي بنتها إيران لها في
لبنان متجسدةً بحزب الله. جبروت في التنظيم والمؤسسات والمال والعسكر، ثمرة
إمبراطورية تسعى إلى التوسّع غرباً، نحو المتوسّط. توسّعت الإمبراطورية
بعد عقد ونصف من الدم، فجمعت أشلاء ضحاياها من البلدان والأنظمة والطوائف
وتصنع منها اليوم جبهة. باسم التصدي والصمود حيناً، والتعاون والإخاء حيناً
آخر، ومحاربة الغرب وإسرائيل والاستكبار على الدوام.
حصار أميركي
تفرض
أميركا حصاراً على الإمبراطورية، وحزب الله جزء منها. ولبنان جزء منها.
تفرض العقوبات فيدفع شعب الإمبراطورية ثمن كل هذا. “الأميركيون، يختلفون مع
النظام فيعاقبون الشعب وهذا ما يحصل في سوريا وإيران وفنزويلا وكوبا
وكوريا الشمالية”، قال نصر الله. تدفع الشعوب أثمان الحصار من جهة، وأثمان
البطش والقمع والسحل والجوع والحبس والفقر من جهة أخرى. فقيمة الشعوب من
قيمة أنظمتها. وفي شرقنا، إن لم تقتلهم الأنظمة، قتلهم أعداؤها. شعوب لا
قيمة لها. إن بقي مصيرها بيد الديكتاتورية تموت. وإن حظيت بتحرير خارجي
مشبوه تموت، لكن على الأقل تدوس على تمثال أو تحشر جزمة في فمه.
عقوبات إيرانية
واقع
العقوبات والأثمان نفسه، يمكن عكسه. يدفع الشعب السوري ثمن سياسة إيران
وتدخل حزب الله في ثورته. يدفع العراقيون يومياً ثمن النفوذ الإيراني
وتقسيمه للموارد والفساد. يدفع اللبنانيون بشكل متواصل ثمن سيطرة حزب الله
على لبنان وقراراته، ثمن بسط عسكرته ونفوذه الأمني. الحصار، إن يعني شيئاً،
يعني حصار دوما والزبداني ومضايا وداريا وغيرها من القرى والمناطق التي
أمعن النظام السوري مدفوعاً من إيران وحزب الله، في تجويعها وتطويقها. مات
أهلها جوعاً أو بالبراميل المتفجّرة أو لانقطاع الدواء. إمبراطورية تطوّع
شعبها، وإن لم يستجب فمصيره المقصلة.
إلى أقاصي الشرق
محاصِر
حاصر محاصِراً آخر. قاتل يقتل قاتلاً آخر. هذه حال منطقتنا، وما علينا إلا
الرضوخ. إن لم يكن لقاتلنا المحلي، فلذلك الإقليمي. وإن لم يكن لذاك
الإقليمي فللأخر الغربي. المهم أن نبقى خانعين مدعوسين، ضحايا، لا قيمة لنا
ولا جدوى إلّا بعبادة الحاكم كائناً من كان. وإذ بنصر الله يدخل إلى
الجبهة مجدداً إمبراطورية الصين الشعبية. ينقص تشرذمنا وتفتتّنا وضياعنا
حوت كبير. الصين والـBOT، قصة أخرى من الاستعمار والاحتلال. تجارب اليونان
وماليزيا وسري لانكا وبنغلاديش وسيراليون وكينيا واضحة للعيان. وكذلك
العروض المغرية التي قبلت بها كل من مصر وجيبوتي والجزائر. كلها مشاريع لا
تفعل إلا مراكمة ديون أصحابها وإيقاعها في الكماشة الاقتصادية الصينية
وطريق حريرها الجديد. قلنا هيّا إلى الشرق، إلى أقصاه، لما لا؟ فالكارثة
واقعة ولا محالة إلا لإطالة أعمار أنظمتنا على حساب الشعوب كالعادة. هو شرق
التعاسة والشقاء الذي لا ربيع فيه.
ليس في لبنان والعراق وسوريا شعوب وأنظمة. بل رهائن. كلنا رهائن. بحضور الإمبراطور، تتوحّد كتلتا الأنظمة والشعب، تنصهران وتخرجان على شكل رهينة. معصوبة عيناها ومسدود فمها. ممنوع أن ترى ولا أن تحكي. إن حكت يهتزّ أمنها، وإن رأت تحاصر. رهينة تسمع ما يُملى عليها فقط، من دون زيادة أو نقصان. وإن قتلها العدو الغاشم جوعاً أو في غارة جوية، تعرض جثّتها لتزكية الإمبراطورية وخطابها. فهذه الإمبراطورية، كغيرها، تعيش على دماء ناسها.
نادر فوز – المدن