بيروت تنتهي: الاتهامات بلا معنى والمحاسبة هزيلة
منير الربيع – المدن
بيروت من تعب. بيروت اختبار الله. ويُراد لها أن تنتهي.
الأسباب كلها تسقط أمام هول ما حدث. بيروت بلا بيروت. وهي التي كانت مرفأً على البحر، تفاحة البحر، فقُضمت. الفراشة احترقت. دفنت الأرواح في العنابر، وفي قاع البحر. بيروت ضربتها الكارثة. خسرت أبناءها وقلبها الذي كان واجهتها على العالم في بلد صغير على ضفة المتوسط.
خسرت العاصمة ذاتها، موقعها، أسواقها التي ما أن كانت تباشر حياتها حتى تضربها كارثة من هنا وأخرى من هناك. من يحلّ مكانها؟ إنها الحاضنة التي نُحرت بسكاكين أبنائها.
لا مجال للتكهنات ولا للتحليلات. والاتهامات صارت بلا معنى، والمحاسبة هزيلة.
لبنان انتهي، خسر كيانه. واللبنانيون لن يجدوا ملجأ للهروب. حتى منفذهم على البحر الواسع، ضاق أمامهم.
ما جرى أسوأ وأقوى من الزلزال الذي ضرب المدينة قبل 15 قرناً. آثار ما حدث وتبعاته على العاصمة هائلة جداً.
انهارت المقومات الاقتصادية لبيروت، لمواطنين وتجار وأصحاب أعمال كثيرين.
من يحتفظ ببعض المدخرات والمقومات سيغادر، لا أحد سيكون قادراً على الصمود والبقاء. التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، خطيرة جداً، في المدى القريب وفي المدى البعيد. ولن يتكشف قريباً حجم الخسائر.
لبنان دولة فاشلة، صارت عبارة عادية، ونقولها بكل ضمير مرتاح. أسوأ الدول والنماذج في العالم لم تشهد ما حدث في بيروت ولبنان.
الإهمال والتحقيقات
التحقيقات
متواصلة على وقع التضارب في المعطيات والضياع في التصريحات. ما جرى كارثة
بالمقاييس كلها. التحقيقات تحتاج إلى مدة طويلة، ولا يبدو أن الحكومة
اللبنانية ستطلب أي مساعدة دولية للمشاركة في التحقيق ومعرفة أسباب
الانفجار. الرواية الرسمية أصبحت واضحة ومعلنة: شحنة من النيترات، بعشرات
الأطنان موجودة في العنبر رقم 12 في المرفأ منذ العام 2014، وإلى جانبها
مفرقعات مخزّنة، وعمّال يعملون على تلحيم بعض الفجوات في العنبر.
الفساد والإهمال واقعان ومفروغ منهما. المحاسبة واجبة. ولكن هناك تساؤلات كثيرة تطرح في مسار التحقيقات: أولاً حول السبب الذي أدى إلى الحريق. الفرضية تتركز على أن نار التلحيم وحرارته هما السبب. لكن الحريق لا يكفي لتفجير النيترات. هناك معلومات تفيد أن تفجّر هذه المواد لا يمكن أن يحصل بنتيجة حريق. ولو أُشعلت النيران فيها، لا بد من صاعق تفجير كي تنفجر. البعض يحيل الأمر إلى الانفجارات الأولى التي حصلت في المفرقعات. كميتها الكبيرة هي التي أدت إلى تفجر مواد النيترات.
هناك في المقابل فرضية قائمة: هل من مواد أخرى سريعة الانفجار تسببت بهذا الحجم من الدمار؟ وهل كانت هناك مواد كالتي. أن. تي، أو السي فور.
عمق البحر، قوة استيعاب المياه، والمدى المفتوح، جنّب بيروت
دماراً هائلاً. ولو لم يكن المدى مفتوحاً لتهدمت أبنية في دائرة طول قطرها
كبير.
المجلس الأعلى للدفاع
حدد المجلس الأعلى للدفاع،
أياماً خمسة لانهاء التحقيقات. هذا النوع من التحقيق لا يمكن أن يكون
مرتكزاً على المعطيات الجنائية. إذ من المستحيل التوصل إلى نتيجة واضحة حول
السبب الأساسي لحصول الانفجارات. وهذا النوع من التحقيقات قابل للتوصل إلى
نتيجة حول الإهمال، وشحنة النيترات، وأسباب وجودها، وعدم التخلص منها.
إضافة إلى عمال التلحيم، وغيرها من الإجراءات التقنية البعيدة من الأبعاد
الجرمية، إذا ما كانت هناك نوايا جرمية وراء ما جرى.
معلومات كثيرة ستبقى مفقودة. لا بد للزمن أن يكشفها تباعاً. لكن الحقيقة أن كارثة حلت ببيروت ولبنان، وتداعياتها ستستمر لزمن طويل. وبيروت خسرت إلى حد كبير من هويتها ومكانتها.