المحكمة الدولية: فرصة السنّة لمنح لبنان توازنه
تتجه أنظار اللبنانيين والمجتمع الدولي المهتم بالأزمة اللبنانية، إلى الغد، تاريخ الثامن عشر من آب: موعد صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
الحكم باب للضغط الدولي سياسياً وعملياً، وحتى معنوياً، ثمة قناعة راسخة لدى كثيرين أن المحكمة قد استنفِدت طوال السنوات الماضية، والحكم سيكون متطابقاً للقرار الظنّي. في ما يجب أن ينصب الانتباه والتركيز على نص مقدمة إعلان الحكم. وذلك للتمييز إذا ما كان سيشير إلى حزب الله كتنظيم دفع في اتجاه تنفيذ الجريمة، أو صدوره في حق أشخاص وليس في حق تنظيم أو حزب. وهذا في ذاته مجال واسع للسجال السياسي حول الحكم وتداعياته وكيفية التصرف معه.
وسيشكل حكم المحكمة باباً جديداً من أبواب الضغوط الدولية على
لبنان والحكومة وحزب الله. وستخرج مطالبات كثيرة بضرورة تسليم المتهمين،
وضغوط على الحكومة للعمل على تبيان أماكن وجودهم، والعمل على إلقاء القبض
عليهم وتسليمهم. وهذا “من سابع المستحيلات”. والمشكلة لم تعد في ما سيصدر
عن المحكمة، ولا عن بعض المناكفات السياسية التي ستطفو على هوامش الحكم
وتداعياته.
اغتيالُ مشروعٍ
وإذا عدنا إلى الأساس، فإن
اغتيال رفيق الحريري كان اغتيالاً لمشروع، وكسراً لتوازن أرسي في لبنان منذ
سنوات ما بعد الحرب، وجزء من مشروع توازن كان متقدماً في الشرق الأوسط في
تلك الفترة.
جاء اغتيال رفيق الحريري، بعد إسقاط صدام حسين واغتيال ياسر عرفات. ففي سنوات ثلات حذِفت ثلاثة نماذج سنّية كان لها حضورها البارز في الشرق الأوسط، لصالح تمدد المشروع الإيراني وتوسعه.
إدى ذلك إلى اختلال التوازن بقوة في لبنان، وبدأ السنّة
مشواراً طويلاً من التنازلات وتلقي الضربات والصفعات والنكسات، والوقوع في
مكائد دولية أفقدتهم مكانتهم وقدرتهم الصمود واستجماع قوتهم. وخسر السنّة
فاعليتهم وتأثيرهم منذ التسوية الرئاسية مع ميشال عون. وحالياً أصبحوا خارج
المعادلة بشكل كامل. وفي الأثناء قضي على الثورة السورية بتفاعلاتها
وتأثيراتها، في مقابل تعزيز السطوة الإيرانية على كل من لبنان والعراق
وسوريا.. وأخيراً اليمن.
السّنّة والدولة الوطنية
قد يشكل
حكم المحكمة الدولية فرصة وحيدة، وربما أخيرة، أمام السنة، لاستعادة دورهم
وحضورهم وتوازنهم. ويستلزم ذلك ألا تحصر نتيجة الحكم في قضية الحريري
بعائلة ولا بطائفة، بل بمشروع كان واضح المعالم ولا بد من استعادته،
والتركيز على الأهداف التي تحققت بفعل اغتياله.
صحيح أن السنة يعتبرون أنفسهم أولياء الدم. ولكن لا بد لهم من إيجاد فرصة لاستعادة الحضور والتأثير والفاعلية في منظومة الحكم على القاعدة المعروفة عنهم تاريخياً. وهي أنهم الجزء المؤسس للدولة الوطنية في هذه المنطقة، وعدم الانزلاق إلى زواريب الطوائف والمذاهب. وبذلك تبدأ استعادة التوازن الذي اختل بعد اغتيال رفيق الحريري.
أول الخطوات على طريق تعزيز هذا الحضور، هي إعادة الاعتبار
لموقع رئاسة الحكومة، التي ما عادت تمثل السنّة ولا تجد لها حاضنة، فيما
يسيطر عليها حزب الله وجبران باسيل. وتشكيل حكومة جديدة متوازنة وقادرة على
تفعيل العلاقات العربية والدولية، وتعمل على وضع قانون انتخابي جديد. وليس
على طريقة استبدال وزير مستقيل بوزير موظف.
عون في الغيوم
من
المضحك المبكي، قبل فترة، أنه فيما كان وزير خارجية فرنسا منهمكاً في
البحث عن أفق لحلّ المشكلة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي تهدد لبنان
وكيانه وجودياً، كان رئيس الجمهورية ميشال عون يصرف اهتمامه كله ويركزه في
التفكير بـ”أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار”، وباحتفالية مئوية لبنان
الكبير. وعندما كان إيمانويل ماكرون يجول في الأحياء المنكوبة ويواسي
السكان بانفجار المرفأ، كان عون ما زال يتحدث عن إنجازه الوهمي بما يسمى
“التحقيق الجنائي” المالي!
هذا فيما قد لا يبقى من لبنان بعد اليوم سوى الاسم والذكرى، في حال بقي المسار على حاله، واستمرت حروب التهميش والاستضعاف والاستقواء.
إن هذا السلوك مؤشر على التحلل الذي يعيشه لبنان، والذي لا يمكن أن يستقيم وأن تتحقق فيه أكاديمية الحوار هذه، في ظل الإمعان في تهميش المكونات، أو بإحياء حلف الأقليات. وهما مشروعان تفتيتيان أو يقومان على نظرية تفوّق طائفي شبه عنصري. ولا يمكن لأي جهة أن تواجه مثل هذه المشاريع إلا إذا كان السنّة على رأسها. وهذه هي فرصتهم اليوم.
منير الربيع – المدن