لبنان في قبضة إيران لو اعتذر أديب…تعميم الخراب والفوضى وزوال لبنان
ماذا يفعل وزير شيعي يتسلم مسؤولية وزارة المال في هذا الوقت؟ ماذا يفعل أحد غيره من طائفة أخرى لو أتى مكانه وزيرًا في الوزارة نفسها. بيد أنّ السؤال الأهمّ الذي لم يُجب عليه ما بات يُعرف “الثنائي الشيعي” “حزب الله” وحركة “أمل”، ماذا لدى هذا الثنائي في حال اعتذر الرئيس المكلّف تأليف الحكومة مصطفى أديب عن عدم التأليف؟ لا شيء طبعًا سوى تعميم الخراب والفوضى والمجاعة والمرض. وتحلل كل ما بقي من مؤسسات دستورية.
فريق عمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي رسم خريطة طريق
للحكومة بعد تأليفها كان حذّر بزوال لبنان لو لم تؤلّف حكومة على وجه
السرعة وتبدأ بإجراءات لوقف الإنحدار المالي والنقدي والصحي والإجتماعي في
البلاد. الكلام كبير جدًا. الإستهانة به يأتي من دولة عليمة بدقائق لبنان
من كل جوانبها، وتحينه فرصة لتحقيق مكاسب سياسية خلافًا للدستور باسم طائفة
أيًا تكن، إنمّا يدفعان عمدًا نحو الهاوية. فرنسا أستعدّت لمرحلة تتجاوز
الحكومة إلى مهمّاتها السريعة الفورية وفقًا للائحة المعروفة. لبنان يحتاج
إلى المال بلا تأخير بعد أن فقدنا كل شيء. كل يوم يمرّ تتراجع قدرتنا على
تأمين الدواء والرغيف والمشتقّات النفطية السائلة. ومقبلون على احتمال ضياع
موسم تعليمي أو تحققه مشوبًا بالعيوب. وتفشّي جائحة كورونا ستكشف لا محالة
عجز النظام الصحّي عن استيعاب الوباء.
الإعتذار
لو اعتذر
أديب تحت ضغط “حزب الله” ونبيه برّي، وهو إعلان فشل مدوٍ للمبادرة
الفرنسية ولماكرون خصوصًا، هناك أسئلة كثيرة وخطيرة تطرح على الفور أهمها:
أولًا: هل تبقى الإلتزامات المالية الدولية تجاه لبنان سارية المفعول؟ وفي مقدمها تعهدات مؤتمر سيدر.
ثانيًا: ما مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبرنامج القرض الميسّر؟
ثالثًا: هل يقوى لبنان على حملة عقوبات أميركية جديدة وأوروبية محتملة تطال رجال أعمال وسياسيين لبنانيين؟
رابعًا: سيكون إعلانًا صريحًا بسقوط لبنان في قبضة المشروع الإيراني في المنطقة. العزلة العربية والخليجية تحديدًا ستشتدّ على لبنان. والدرس الفرنسي سيعمم أوروبيًا.
خامسًا: ما مصير ديون اليوروبوندز الخارجية التي توقف لبنان
عن سدادها في آذار 2020، وينتظر حاملوها والصناديق الإستثمارية تأليف حكومة
جديدة تبدأ المفاوضات على الملفّ؟ واضح أنّ الدائنين سيتعاطون بقسوة بعد
فشل تأليف الحكومة وفشل مبادرة ماكرون. ولن يوفّروا سبيلًا قضائيًا
وسياسيًا يستخدمونه للحصول على ديونهم بعد أن هوى دولار اليوروبوندز إلى
دون 15 سنتًا.
لا نصدّق أن الحزب وبرّي لا يعلمان نتائج هذا
السيناريو المنطقي جدًا. ويستمرّان يعرقلان تأليف حكومة لا حكومة بعدها
تولد طبيعيًا، بعد أن حشر الفريقان نفسيهما والآخرين في خانة وزارة المال.
فرنسا ماكرون عرّابة مؤتمر سيدر المدعوم إسهامًا مباشرًا وحضورًا من نحو 44
دولة ووكالة أممية وصندوقًا تمويليًا. وباريس هي المكان المضيف معظم
مؤتمرات الدعم المالي للبنان. ماكرون أضاف إليها تدخلًا شخصيًا واستنفارًا
حكوميًا لدعم لبنان سياسيًا وتوظيف كل رصيده لإنقاذ لبنان. مصالح فرنسا،
الفرانكفونية، المتوسطية وغيرها من المصطلحات شأن آخر.. لم يسأل أحد عن
تداعيات الفشل اللبناني على حسابات ماكرون السياسية الداخلية في فرنسا.
10.8 مليار دولار أميركي تعهدات مؤتمر سيدر مفتاحها في يد صندوق النقد الدولي ليفاوض حكومة لبنان. سيدر وبرنامج قرض الصندوق يأتيان معًا أو يذهبان معًا. ثالثهما الدعم العربي الذي سينقطع كليًا عن لبنان مساعدات وقروضًا من الحكومات والصناديق العربية. بالإضافة إلى الإستثمارات العربية والخليجية. رابعهما حملة ضغوط ودعاوى قضائية وتحكيمية من حاملي اليوروبوندز للحصول على أصول لبنانية خصوصًا خارج لبنان. لو قُدّر لهذا السيناريو أن يتحقق لصار لبنان عرضة للموت والجوع والمرض. والتشرد لأهليه في الشوارع. والهجرة لمن يستطيع سبيلا. هذا ما يجب أن يعلمه “الثنائي والرباعي والخماسي” الذي يرى تحقيق مكاسب من عذابات اللبنانيين ومهاناتهم وقهرهم.
الثمن في واشنطن
يبقى “الشيطان الأكبر” واشنطن.. نؤكد من جديد أن مبادرة ماكرون كانت برضا واشنطن لو استطاع أديب تأليف حكومة لا يدخلها “حزب الله” أو يسيطر عليها. العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ووزير ويوسف فنيانوس جاءت للتّو بعد أن برزت عقبات تأليف الحكومة لإصرار “حزب الله” وبرّي على حقيبة وزراة المال وليس قبل ذلك. صعّد وزير الخارجية مايك بومبيو موقفه بعد ذلك وصولًا إلى انتقاد ماكرون على موقفه من الحزب وتهديده بعودة العقوبات على إيران (سناب باك) المنصوص عنها في الإتفاق النووي والذي يجيز إعادة فرض العقوبات الدولية بصورة تلقائية بعد مرور 30 يومًا من تاريخ التبليغ. تعلم واشنطن أنّ طهران وحدها من دون غيرها قادرة على حمل “حزب الله” على تسهيل تأليف الحكومة. وتعلم إنّها لن تفعل بلا ثمن وهو مطلوب من واشنطن وليس من باريس. هنا قد يكون ماكرون أخطأ في حساباته وذهب بعيدًا إلى ما اعتبرته واشنطن ممالأة الحزب. خصوصًا أنً فرنسا وألمانيا اللتان تعارضان إعادة العقوبات على طهران، لم تتمكّنا من التقدم في الآلية المالية الأوروبية لفكّ طوق العقوبات الأميركية عن إيران. لذلك، طهران ليست مستعدة تسهيل تأليف حكومة أديب.
هل يقف الدور الأميركي من لبنان عند هذا الحدّ في حال فشل تأليف الحكومة ومعها مبادرة ماكرون؟ كلّا فالأمر لا يبدو كذلك. بدليل التصعيد الأميركي الأخير. “حزب الله” وبرّي لو بقيا على موقفهما من عرقلة تأليف الحكومة سيقدمان إلى واشنطن إشارة قوية إلى سيطرة طهران على القرار السياسي في لبنان. ولن تتردّد واشنطن في التعامل مع لبنان على هذا الأساس. ماذا يعني ذلك؟ احتمال فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. واشنطن مستعدّة أن تتدخل مباشرة بعد فشل سيناريو تأليف الحكومة وهيمنة طهران على القرار السياسي اللبناني. تعهدات سيدر تتوقف. والدعم العربي على أنواعه. والدول الأوروبية ستنكفئ بعد فشل تجربة ماكرون. ويلغى المؤتمر الذي كان يحضر له فرنسيًا في تشرين الأول المقبل لدعم المتضررين من انفجار المرفأ وإعادة إعماره.
المدن