عون “يقفز” إلى الاستشارات: إرضاء باريس حكومياً وواشنطن حدودياً
على عكس سلوكه وسياساته ومواقفه ما قبل انتخابه رئيساً، وطوال إقامته في
بعبدا، غرّد الرئيس ميشال عون اليوم، قائلاً: “الدولة القوية قد يحكمها
أقوياء أو حكام عاديون، ولكنهم يحترمون الدستور ويلتزمون القوانين، وبذلك
تقوى الدولة.
الدولة الضعيفة يحكمها حتماً أقوياء، ولكنهم لا يقيمون وزناً للدستور ويتجاهلون القوانين، فيزدادون قوة ويزداد ضعف الدولة”.
على
هذا المنوال، تغيّرت نظرية “الرئيس القوي” رأساً على عقب. “استيقظ” عون
على فكرة الدولة القوية بدستورها، بغض النظر عن أن يكون الحاكم قوياً أو
عادياً.
الموعد والاستحقاق
وعلى هدي عون
الجديد في الاحتكام إلى الدستور، وجّه رئيس الجمهورية ميشال عون الدعوة
لإجراء استشارات نيابية ملزمة، لتكليف شخصية بتشكيل الحكومة يوم الخميس 15
تشرين الأول. إنها من المرات النادرة التي يحدد فيها رئيس للجمهورية موعداً
للاستشارات بعد أسبوع. في العادة كان يفصل بالحد الأقصى ثلاثة أيام بين
الإعلان عن الدعوة وموعد الاستشارات. فقط تجربة “القمصان السود” في العام
2011 فرضت تأجيلاً للاستشارات لمدة أسبوع. في الاتصالات الخجولة التي كانت
دائرة في الساعات التي سبقت توجيه عون لدعوته، كان هناك تمنيات بإجراء
مشاورات سياسية للاتفاق على إسم الرئيس الذي سيتم تكليفه، إلا أن عون اختار
توجيه الدعوة، بعد محاولة منه لجس نبض الكتل والقوى السياسية، إذا ما كانت
مستعدة لتلبية دعوته لإجراء مثل هذه المشاورات. فلم يلمس أي جدية أو
قبولاً، فاختار وضع الجميع أمام هذا الاستحقاق.
هكذا، أراد عون أن يحرج مختلف القوى السياسية بالدعوة إلى
الاستشارات النيابية الملزمة. هو لا يريد أن يحتفظ بكرة التعطيل. فعملاً
بالدستور وجه الدعوة وترك لها مهلة أسبوع لوضع القوى السياسية أمام استحقاق
الاتفاق، وبحال لم يتوافقوا على اسم الرئيس المكلف، يكون قد أبرأ ذمّته
أمام اللبنانيين وأمام المجتمع الدولي، على أنه قام بما يتوجب عليه، فيما
الكتل النيابية لم تنجح بتكليف رئيس للحكومة. من شأن هذه الخطوة أيضاً أن
تحرج رؤساء الحكومة السابقين، فماذا سيكون عليه موقفهم؟ وهل سيقدمون على
اختيار شخصية لدعمها؟ أم أنهم لن يكرروا تجربة مصطفى أديب؟ أم أنهم يتوجهون
لاختيار واحد من بينهم، في ظل المعلومات التي تفيد عن انحسار الخيارات،
إلى خيارين: إما سعد الحريري أو نجيب ميقاتي.
واشنطن وباريس
تتزامن
الاستشارات مع بدء المفاوضات على الحدود البحرية، ومع وصول وكيل الخارجية
الأميركية، ديفيد شينكر، الذي من المفترض أن يكون له موقف شامل حول الوضع
اللبناني. كما أن باريس لن تكون بعيدة عن مسار وحرارة الحركة السياسية،
التي سيعاد إطلاقها بعد تحديد موعد الاستشارات، فالاتصالات ستتفعل وتتكثف
محلياً ودولياً تحت وقع الكثير من الضغوط، لبلورة صيغة حكومية. وهناك
تقديرات تشير إلى أن الحكومة المأمولة يمكن أن تبقى لمدة سنتين. وبما أنها
يفترض أن تكون هي المشرفة على عملية ترسيم الحدود، فستكون محط اهتمام أكبر
لدى حزب الله، عبر التركيز على كل تفاصيل تشكيلها وتركيبتها.
رُميت الكرة في ملعب القوى السياسية، وتحديداً في مرمى رؤساء
الحكومة السابقين، وما سيقررونه. هل سيتوافقون على اسم شخص من خارجهم، أم
سيدعمون أحد أعضاء النادي؟ الخطوة ستزيد من ارتباكهم واختلافاتهم، فيما قد
يُفهم التوجه الفعلي لهم من كلام الحريري يوم غد الخميس، والذي -حسب
المعلومات- سيعلن عن التزامه بالمبادرة الفرنسية، أي تشكيل حكومة اختصاصيين
وليس حكومة تكنو-سياسية. بينما القوى السياسية الأخرى تتفاعل مع طرح
ميقاتي بتشكيل حكومة تكنو-سياسية. وهو الخيار الذي يفضله حزب الله والرئيس
نبيه بري. وفيما أصبح ميقاتي مطروحاً بجدية لتولي رئاسة الحكومة بفعل
مبادرته، تشير المعطيات إلى أن لا عون ولا حزب الله يؤيدانه. فيما آخر لقاء
بين السفير الفرنسي برونو فوشيه ومسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله،
عمار الموسوي، كرر الأخير تمسك حزبه بترشيح الحريري لتشكيل حكومة، وفقاً
للمبادرة الفرنسية، مع إدخال تعديلات عليها لناحية شكل الحكومة. أي أن حزب
الله يريد حكومة وفق صيغة نجيب ميقاتي، لكن برئاسة سعد الحريري.
الواقع الحرج
إتصالات
ومشاورات كثيرة ستحصل من اليوم إلى الخميس المقبل. الاحتمالات متعددة. إما
أن يكون قد تم التوافق على شخص رئيس الحكومة المكلف، فيكون من طينة حسان
دياب ومصطفى أديب، أو يتم اختيار أحد أعضاء نادي رؤساء الحكومة السابقين،
أو ذهاب الكتل إلى لا قرار حاسماً، فتشهد الاستشارات ضياعاً كحال الضياع
القائم اليوم، ولا يتم الوصول إلى نتيجة. فلا تؤدي إلى تكليف رئيس بتشكيل
الحكومة، ويتم تأجيل الاستشارات مرة أخرى إلى أن يحصل التوافق.
في مثل هذه الحالات، قد تحدث مفاجآت كثيرة، في واقع حرج جداً على القوى السياسية المصابة بالعجز تقريباً، وقد تجد نفسها مضطرة إلى تسمية شخصية جديدة للتشكيل، مع كل الاحتمالات الواردة، على غرار استنباط شخصية كما بتسمية حسان دياب في الساعات الأخيرة، التي سبقت موعد الاستشارات.
المدن