ضبابيّة التشكيل تفتح على مناخات ذات طابع تفجيريّ
حملت نهاية الأسبوع مؤشرات تراجع دراماتيكي لمنسوب التفاؤل الذي ساد على امتداد الايام الماضية. وقد توزعت هذه المؤشرات على وجهتين: الاولى وسببها كثرة الوعود التي أطلقها الرئيس سعد الحريري للمكونات السياسية التي سمته، والثانية هروبه الى الامام بمحاولة تجاوز أوزان الكتل النيابية التي لم تسمّه ووضع نفسه شريكاً في تركيبة الوزراء المسيحيين وهذه لن تكون سهلة عليه.
كان الأهم في التفاصيل ما تردد خلال الساعات الماضية عن حجم الضغوطات الاميركية على الحريري وعدم السماح له بتسمية أي وزير على صلة من قريب او من بعيد بـ”حزب الله”. وبعد ان كان اغلب الظن ان الاميركيين غير مهتمين بشكل الحكومة اتضح أنهم يرفضون بالمطلق وجود “حزب الله” في الحكومة، ما يخالف وعوداً ضمنية كان تلقاها “الثنائي الشيعي”. والواضح ان معادلة صعبة تتنازع الحريري بين عدم اغضاب الاميركي الذي يلوح له بخطوات بالغة الصعوبة وبين مطالب الثنائي الشيعي.
وعلى وقع هذا المسار ينتهي الاسبوع على ضبابية التشكيل وقد يفتح على مناخات يخشى البعض ان يكون الحريري يولّف لها، كأن يقدم صيغة ذات طابع تفجيري وتقديمها قبل موعد الانتخابات الاميركية ليضع رئيس الجمهورية تحت قوة الامر الواقع.
وبينما تسمّر كل طرف سياسي عند تفاؤله في محاولة للتملص من عقبات الفشل التي تتعزز احتمالاته، سجل المتابعون تغييراً في معطيات الايام الماضية وتبدلاً في موقف الحريري. تراجع الحريري عن التزامه بحكومة من عشرين وزيراً وعاد الى إصراره على حكومة من 18 وزيراً يرفضها “حزب الله” ورئيس الجمهورية، وأصرّ على رفض تمثيل “الحزب الديموقراطي” الذي يرأسه النائب طلال ارسلان. تراجع عن وعد قطعه لرئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط بتمثيل حزبه بحقيبتين حاصراً حصته بحقيبة واحدة، وهو ما اعتبره جنبلاط غير منطقي بينما يتمثل الشيعة بأربع حقائب والسنة بأربع حقائب والارثوذكس بثلاث حقائب. يخيم شبح حكومة حسان دياب على الحريري. لا يريد ان يتشبه به ولو بعدد وزراء حكومته. يعتبر الحريري ان حكومة من عشرين وزيراً تعني زيادة في حصة رئيس الجمهورية من الدروز والارثوذكس، ليكون له الثلث المعطل في الحكومة لن يقبل به بالمطلق. ومن المستجدات ايضاً عودة الحريري الى مربع حكومة مصطفى أديب بتوليه بنفسه تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب، وهو ما فاتح به رئيس الجمهورية خلال زيارته الاخيرة مقترحاً تسمية وزراء لا يدورون نهائياً في فلك “التيار الوطني الحر”. كان جواب عون: “انت ايجابي وانا ايجابي، شكّل حكومتك وسنرى”.
لم يحسبها الحريري بدقة وارتكب اكثر من فاول دفعة واحدة. وعد جنبلاط بحقيبتين إحداهما الصحة ولم يحدد البديل لـ”حزب الله”، ولم ينتبه لولا ان جاء من لفت نظره الى عدم امكانية اسناد عدد من الحقائب لـ”الحزب” من منظار المجتمع الدولي بما فيها الأشغال. إستثنى المالية من المداورة ولم يحسب جيداً توزيع الحقائب السيادية بين الطوائف. ومما اعتبره خطأ يوجب التراجع عنه في اللحظة الاخيرة ان توزيعه للحقائب يجعل حصة رئيس الجمهورية موزعة بين الداخلية والدفاع والعدل! وقد حسمها ان لا تمثيل للقاء التشاوري فيما لم يعد تمثيل “الحزب القومي” احتمالاً وارداً.
على ان كل ما تقدم في كفة والوقوف على خاطر الشريك المسيحي الوحيد رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية في كفة مقابلة. إذا سحب منه حقيبة الاشغال فما البديل الذي يرضيه إذاً؟ وهل سيقبل بأقل من حقيبتين واحدة منهما سيادية؟
يقول متابعون ان الحريري تراجع عن التركيبة التفاهمية التي كان رفع شعارها منذ تكليفه وأراد العودة الى مربعه الاول يوم كان يدير تشكيلة مصطفى اديب. لم ينتبه بعد ان ما طرأ خلال فترة سنة من غيابه جعل تشكيل الحكومات مهمة بالغة الصعوبة، خصوصاً انه لا يزال مصراً على استثناء كتل نيابية وازنة من مشاوراته. والعقبات التي تعترض خروج حكومته الى العلن جعلته أسير الخيبة. الكل ينتظر تشكيلة حكومته التي لم تجهز بعد لا كمسودة ولا كصيغة نهائية. صار واقع تشكيل الحكومة كالتالي: إما ان يشكل الحريري حكومة من 18 وزيراً يختارها بالاسماء والحقائب ويضعها في عهدة رئيس الجمهورية كأمر واقع يوم غد الاحد وهذا مستبعد، أو ان يزور بعبدا تحت شعار استكمال البحث مع عون. استعجال الحريري لتشكيل حكومته لا يسري بالضرورة على بقية الاطراف التي لا تجد نفسها معنية بالتراجع عن مطالبها، في سبيل تسيير أمره ولا سيما من بينهم من كان مصراً وعبّد طريقه للعودة اي الثنائي الشيعي، لتمسّك “حزب الله” بحكومة عشرينية تمثل كل المكونات السياسية التي يجب ان تشترك بتسمية الوزراء.
نداء الوطن