العقوبات أعادت باسيل إلى “حجمه الطبيعي”.. وداعاً للطموح الرئاسي
قُدّر للبنانيين، أن يعيشوا أشهر على إنشاد أيقونة الـ”هيلا هو” في الشوراع لإسقاط طموح صهر الجمهورية، رئيس التيار الوطني الحرّ، الوزير السابق، النائب جبران باسيل. وقدّر للبنانيين أيضاً، بعد عام على تلك الأناشيد، أن يشاهدوا السقوط “المبكّل” والتام والمنجز للطموح الرئاسي الذي يحمله باسيل منذ نشأته الأولى في القيادة الحديثة للتيار الوطني الحرّ. كما في سائر البلدان العربية، يكفي الاطّلاع على ألقاب الحاكم أو الشخصية السياسية لإدراك حجم مشاركتها في جرم إفقار الشعب ونهب أموالهم وتسخير السلطة وسرقتها. باسيل أسوة بغيره من الشلّة الحاكمة، رئيس تيار، وزير سابق في 3 وزارات، نائب، صهر أوّل وصانع حكومات ومعرقل لها. بات باسيل على لوائح فساد ماغينتسكي، لوائح مفتوحة على الإضافات فقط، تنتظر أسماء باقي الشلّة.
مهما كان الثمن
سقط مشروع رئاسة جبران باسيل. إلا إن أراد أن يكون رئيساً على “قطاع” محاصر ومشلول كما حال قطاع غزّة، أو حاكماً لا يجرّ معه إلا البؤس والتخلّف والجزمة العسكرية الميليشياوية كما حال سوريا وفنزويلا وكوريا الشمالية. قد لا تعني كل هذه التفاصيل شيئاً لباسيل، وقد يغلبه طموحه الجامح لرئاسة خالية من كل شيء إلا الموت والدمار. وفي تجربته السياسية بأقلّ من عقدين، برهن أنه قادر على كل شيء. فتقوده حساباته الشخصية إلى تجربة إضافية، مُرّة على الجميع. وهذا النوع من التجارب يتقنه التيار الوطني الحرّ، ويظهر جلياً في السيرة السياسية للرئيس ميشال عون يوم كان قائداً عسكرياً في قصر بعبدا، وثم في سنوات ما بعد خروج الجيش السوري من لبنان.
حجم طبيعي
جاءت العقوبات الأميركية على باسيل من نافذة قانون ماغنتسكي، من باب الفساد والصفقات والرشى. لم يعالج أميركياً من الباب العريض وعنوان دعم حزب التحالف معه. سلفاه على لوائح العقوبات، الوزيران علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، دخلا اللوائح من بابها السياسي العريض في دعم حزب الله وتسهيل تمويله، إلى جانب مزاعم فساد وسمسرة. وكأنّ العقوبات الأميركية جاءت لتعيد باسيل إلى حجمه الطبيعي في المنظومة اللبنانية، ركن منها في خيوط الفساد لا أكثر. فبإمكانه التفرّغ للقتال على مقعد وزاري هنا، وحقيبة حكومية هناك، وعلى تعيينات ومناصب. أو أنّ بإمكانه أن ينعم بجواز سفر ديبلوماسي يحمل رقم LD0000004، ولو أنه يقول إنه خارج السلطة وخارج الحكم. فيستخدمه لزيارة حكّام وأنظمة معاقبون مثله.
الضحية المنتظرة
ويقدّر للبنانيين مجدداً أن ينتظروا إطلالة باسيل في مؤتمر صحافي قريب يلبس فيه من جديد ثياب البراءة والحملان والنضال المفتعل. في كلماته الأولى تعليقاً على العقوبات، قال باسيل إنه “اعتدت الظلم وتعلّمت من تاريخنا: كُتب علينا في هذا الشرق أن نحمل صليبنا كل يوم… لنبقى”. في مناسبات مختلفة، خلال العام الماضي وما سبقه أيضاً، بدا وكأن باسيل تلّذذ بلعب دور الضحية. “نحن مستهدفون بكل شيء، بالشخصي وبالسياسي والأهم بالإعلام عبر تحميلنا مسؤولية كل ما يحصل من مصائب وعبر الحرب النفسية التي تهدف لتشويه السمعة وللشيطنة ولغسل الأدمغة. وهذا هو الاغتيال السياسي”، قال باسيل قبل أشهر. ثم قيل إنه تعاقد مع شركة فرنسية متخصصة لتحسين صورته وصورة تياره. فذهب ذلك سدى، بانتظار ثمار مسلسل الضحية والجلاد.
مواقف (غير) ثابتة
وطوال الأشهر الماضية، مع اقتراب موعد إدراجه على لوائح العقوبات والإشارات الصادرة عن المسؤولين الأميركيين في عدم استقباله ولا اللقاء به، واظب باسيل الإعلان أيضاً عن ثبات مواقفه. لكن هذه المواقف لم تكن ثابتة. في ما خص حزب الله، حاول التودّد للخصوم والأعداء بقوله مراراً إنّه وحزب الله “ذاهبون لحد الفراق”. غلّف رسالته هذه بفحوى الإصلاح الاقتصادي والسياسي، في حين تصدّر أعضاء في كتلته النيابية وتياره السياسي الإطلالات التلفزيونية للهجوم على الحزب في شتّى المجالات. وكذلك موقفه غير الثابت من فلسطين والصراع مع إسرئيل، وفي تولّي الرئيس سعد الحريري رئاسة حكومة تكنو-سياسية، في إدانة حاكم مصرف لبنان والتمديد له، وفي أمور كثيرة أخرى.
قال باسيل إنه سيحمل صليبه كل يوم في هذا الشرق الذي نعيش فيه. لم يلفت نظره أحد من أعوانه إلى أنه في هذا الشرق نفسه لم يصلب فقط المخلّص، بل صلب معه أيضاً لصّان.
نادرفوز – المدن