بين برّي وباسيل: بقيت “كهرباء زحلة” رغم المخالفات
احتَمَت شركة “كهرباء زحلة” بشرعيّة “الحاجة” إلى خدمة الكهرباء بتغذية 24/24 ساعة، والتي حرمت الدولة مواطنيها منها. فعلى مدى قرن من الزمن، اكتسبت الشركة شرعية قانونية وشعبية عوَّضَت غياب الدولة. ولاحقاً، لم تستحِ الدولة من فشلها، فبدل تأمين الخدمة عبر مؤسسة كهرباء لبنان، دخلت القوى السياسية على خط التحاصص، لِتَرِثَ كهرباء زحلة وتُخضِع الخدمة التي تقدّمها للبازار التحاصصي، الذي لا يخلو من الحسابات الانتخابية.
تمديد العقد التشغيلي
ينتهي عقد امتياز شركة كهرباء زحلة، من دون أن تعمد الدولة إلى استرداد الامتياز بما في ذلك المنشآت التابعة له، لينتفي بذلك حق الشركة بتوزيع الكهرباء على المواطنين بشكل قانوني. وبدل أن تحصل مؤسسة كهرباء لبنان على المنشآت مع نهاية العام 2020، وتُطوى صفحة كهرباء زحلة، صادَقَ مجلس النواب “بالإجماع”، في جلسته المنعقدة يوم الاثنين 21 كانون الأول، على اقتراح قانون معجّل مكرّر يقضي بـ”تمديد العقد التشغيلي لكهرباء زحلة”، علماً أن الشركة تعمل بمولّدات خاصة ليست ضمن المنشآت والمعدات المدرجة في الامتياز. وبالتالي، هي لا تعمل وفق المنطلق القانوني الذي يبرِّر وجودها وعملها، فهي في هذه الحالة قد أصبحت كأي شركة خاصة تدير مولّدات غير مشرَّعة قانوناً، أسوة بتلك المولّدات المنتشرة في المدن والقرى، والتي رغم أنها تعوِّض النقص في تغذية الكهرباء الرسمية، إلاّ أنها مولّدات غير قانونية.
وكانت وزارة الطاقة قد أبلغت الشركة في العام 2015، أنها ترفض استمرار عملها “بوضعها القائم حالياً، قانوناً وتقنياً ومالياً وبيئياً، الموازي لوضع أصحاب المولدات الخاصة”. كما أكّد وزير الطاقة الأسبق سيزار أبي خليل، في العام 2017، “تعذّر اجراء أي تفاوض معكم (مع الشركة) حول مشروعكم الخاص لانتاج الكهرباء من مولدات استأجرتموها دون علم وموافقة وزارة الطاقة والمياه. وعليه… فإنكم تبقون مسؤولين قانونياً ومالياً عن مباشرتكم والاستمرار بنشاطكم الخاص هذا”.
كتاب سيزار أبي خليل
تمديد العقد يفتح حدود وجود الشركة واستمرار عملها نحو المجهول. وكأنَّ بالسلطة التشريعية قد أبَّدَت وجود هذا الامتياز، على عكس الغاية التي كانت مرجوة منه، والتي كانت تلحظ ضرورة انتهائه، وتغيير أسلوب تزويد زحلة وجوارها بالكهرباء، وهذا ما لحظه القانون رقم 107/2018، حين كان الهدف منه تبرير التعاقد مع الشركة وليس تمديد مهلة التعاقد.
تضامن المصالح
معركة شرسة شنّها التيار الوطني الحر ضد شركة كهرباء زحلة، وجسّدها موقف وزارة الطاقة من عقد التشغيل. فهو يعكس موقف وزراء الطاقة المتعاقبين، رؤية الوزير الأصيل للطاقة، جبران باسيل. فالأخير لا يخفي رغبته بوضع يده كلياً على القطاع بوصفه “ضمانة لحقوق المسيحيين”، كما قال يوماً. لكن الموافقة على التمديد تطرح تساؤلات حول أسباب التراجع عن الهجوم، المستند إلى متاريس قانونية صحيحة، بغض النظر عن خلفيات الهجوم. والتراجع العوني في جلسة مجلس النواب، يعني التغاضي عن القوانين. وهو أمر غير مستغرَب لدى نواب ووزراء التيار البرتقالي. على أنَّ هذا الفعل يستدعي توجيه سؤال للنائب أبي خليل عن أسباب تشريعه تمديد العقد، لتتحول مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، إلى شريكين في عملية بيع كهرباء من مولّدات خاصة لا علاقة لها بامتياز كهرباء زحلة.
بالتوازي مع الانعطاف العوني، من غير المستغرب أيضاً تغاضي رئيس السلطة التشريعية نبيه برّي عن الأصول القانونية، بوصفه رئيساً لتلك السلطة، وما تمثّله من حضور للدولة، ومن خلفه حزب الله الذي يحاضر بتطبيق القوانين، ويطلق العنان لمستندات نائبه حسن فضل الله، والتي يبدو أنها لا تتّجه لناحية ما يقرّره الحليفان الشيعي والمسيحي. ومن غير المستغرب كذلك، مجاهرة القوات اللبنانية بدعم امبراطورية أسعد نكد.
ليس الدعم الكلّي الذي تلقّاه نكد يوم الاثنين، حُباً به، بل خوفاً من الغضب الانتخابي لأبناء المناطق المستفيدة من الكهرباء 24/24. فالمستفيدون لا يأبهون بالقانون على قدر اهتمامهم بتأمين الكهرباء. فهم يدركون تماماً أنَّ عودة كهرباء زحلة إلى كنف وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان بصورة مطلقة، يعني دخول المنطقة في ظل التقنين القاسي أسوة بباقي المناطق. لذلك، يهدد المواطنون أحزابهم السياسية بأن كهرباء زحلة مرتبطة بصندوق الانتخابات. وكرمى لعيون هذا الصندوق، تسقط القوانين والخلافات السياسية. ومِن حظّ سكّان المنطقة، أن جغرافيّتها تجمع طوائف وأحزاب اسلامية ومسيحية، وهذا الجَمع تحوَّلَ إلى أرض خصبة لترجمة التعايش التحاصصي بين مكوّنات المنظومة الحاكمة.
تبرير تمديد العقد هو تأمين المصلحة العامة، وهي الحجّة التي تؤمَّن عبرها مصالح القوى السياسية فقط، وإن تأثَّرَ المواطنون عرضيّاً بتلك المصلحة، كما هو حاصل حيال الكهرباء 24/24 في زحلة. علماً أن التدقيق في الملف، يوصل إلى دفع المواطنين فاتورة أعلى مما يفترض بهم دفعها، وأن الدولة لا تستفيد من هذا الامتياز كما يحق لها. لكن ما ذاقه أهالي زحلة والجوار من حلو الكهرباء، جعلهم يتشدَّدون في مواجهة مُرّ العتمة، وإن بكلفة أعلى.
المدن