الراعي يُطيح “آمال” عون بالتمديد… وماذا عن المعركة الرئاسية؟
كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
حسمها رأس الكنيسة المارونية قبل عام ونصف العام من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقال بعبارة جازمة: “التمديد لرئيس الجمهورية ومجلس النواب مرفوض رفضاً قاطعاً”، ما يعني أن هناك عاملاً جديداً دخل على الإستحقاقات المقبلة.
من كان ينتظر من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي المطالبة باستقالة عون يوم السبت وتسمية “حزب الله”، أتاه الجواب يوم الإثنين خلال المقابلة التي أجرتها الزميلة ليال الإختيار عبر قناة “الحرّة” والتي روّج محور “الممانعة” أنها ستكون توضيحيّة لمواقف السبت من حيث النظرة إلى “حزب الله”، فأتت أوضح من جهة التصويب على عمق المشكلة اللبنانية وهي محاولة أخذ “الحزب” لبنان إلى محور لا يريده وتغيير هويته.
وإذا كان موقف الراعي تميّز بالهدوء، إلا أن مضمونه كان نارياً، وانطلق في دعوته إلى زيارة وفد “حزب الله” بكركي للتحاور من مبدأ أن “البطريرك يُزار ولا يزور”، وبالتالي فقد أثبتت التجارب أن كل محاولات “حزب الله” للتخفيف من وهج نداءات وعظات وخطابات الراعي لم تؤتِ ثمارها، فلا خطوات حليفه المسيحي “التيار الوطني الحر” ومقاطعته تظاهرة السبت دفعت الراعي إلى التراجع، ولا الهجومات المُعلّبة من المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان هدّت عزيمة الراعي، ولا الهجوم عبر القريبين من “الحزب” أدى إلى تراجع سيد الصرح “قيد أنملة”، وبالتالي لم يعد من باب أو سبيل لـ”حزب الله” سوى التواصل بالمباشر مع بكركي.
ولأول مرّة منذ انطلاق التفاوض على ترسيم الحدود، يخرج موقع وطني بحجم بكركي وينتقد تغييب رأي الدولة عن ملف بهذا الأهمية، فكلام الراعي عن أن “حزب الله” يتحكّم بمفاوضات الترسيم وليس الحكومة أكبر دليل على المنحى الذي سيسلكه خطاب الراعي في الأيام المقبلة إلى حين استعادة الدولة سيادتها، في وقت كان كلامه أكثر من واضح برفض احتكار “حزب الله” قرار السلم والحرب وخطف البلد تحت عنوان “المقاومة”.
هذا في الشق المتعلّق بـ”الحزب”، أما في ما خصّ مسألة عون، فلم يرحم الراعي رئيس الجمهورية من اعتباره جزءاً من المنظومة التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، مروراً بدوره مع الرئيس سعد الحريري في مسألة تعطيل تأليف الحكومة، وصولاً إلى انتقاده بعدم إقرار وعد “الإستراتيجية الدفاعية” التي أتت في خطاب قسمه.
لكن الضربة الأكبر أتت في إعلانه رفضه التمديد لعون، وحتى لو لم يقبل سيد الصرح بإسقاط عون في الشارع، إلا أن موقفه متقدّم، فالجميع يعرف أن معركة رئاسة الجمهورية تُفتح قبل سنة من إنتهاء ولاية الرئيس، وكل رئيس يعمل على التمديد أو التجديد حتّى لو صرّح عكس ذلك.
كان ردّ الراعي قاسياً على من يحاول التمديد لعون وخصوصاً من قِبل الحلقة الضيقة التي تعمل على هذا الموضوع، فقبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، لم يخرج الراعي بهذا الموقف العلني من رفض التمديد له، وكان هناك اقتراح للتمديد سنة لسليمان كي يتم إجراء انتخابات نيابية وبعدها رئاسية ولم يكن هذا الإقتراح يُلاقي معارضة الراعي.
لكن موقف بكركي تغيّر في هذه المرحلة، فقبل سنة ونصف السنة من إنتهاء ولاية عون حسم البطريرك هذا الموضوع، أي بصريح العبارة قال “فتّشوا من الآن عن رئيس متجرّد وغير مرتهن لمصالحه”، وبالتالي فإن الراعي يكون بذلك سحب إحدى الأوراق المهمة من تحت بساط النائب جبران باسيل الذي يحاول وضع الجميع أمام خيار إما التمديد لعون أو إنتخابه رئيساً.
أما المطلب الثاني والأهم والذي عرّى الراعي فيه “حزب الله” ومعه “التيار الوطني الحرّ” ومحورهما الإقليمي، فكان رفض التمديد لمجلس النواب الحالي.
والجدير ذكره، أن إيران إعتبرت نفسها أنها فازت بالأغلبية النيابية بعد إنتخابات 2018 وظهر ذلك عبر سلسلة تصاريح لمسؤولين إيرانيين، ومعلوم أن إنتخابات الرئاسة في لبنان تتم في مجلس النواب وليس من الشعب مباشرة، وبالتالي فإن محاولة التمديد لمجلس نواب يتمتع فيه حلفاء إيران بالأكثرية، يعني حجز طهران ورقة الرئاسة والمفاوضة عليها أو محاولة الإتيان برئيس من محورها شبيه بعون، علماً أن الإنتخابات النيابية في أيار من العام 2022 والرئاسية في خريف العام نفسه.
وبات من شبه المؤكد أن “حزب الله” لن يستطيع الإحتفاظ بالغالبية البرلمانية لأن حليفه المسيحي أي التيار العوني قد تراجع، لذلك فإن الإنتخابات النيابية كفيلة بتغيير موازين القوى والتأثير في مجريات الرئاسة، لذلك كان الراعي حازماً في رفض تأجيلها وبالتالي رفض تحكّم فريق “حزب الله” وباسيل والحلفاء بنتائجها من خلال المجلس الحالي.
من يقرأ كلام الراعي جيداً يُدرك أنه يُصوّب السهام بسلاسة من دون أن يعطي أي فريق هامش الردّ، من هنا فإن المطالبة بإسقاط عون هي تضييع للوقت لأن “حزب الله” هو لبّ المشكلة الحقيقية وليس عون أو باسيل، فـ”الحزب” قادر على اختراع أي حليف ويركّبه على كرسي بعبدا إذا بقيت موازين القوى هكذا، من هنا فإن الإنتخابات النيابية ستكون الأساس في تحديد مصير لبنان وذلك من أجل تأمين أكثرية تؤمن بمنطق الحياد الناشط وتُخرج الوطن من المحور الإيراني الذي أُخذ إليه بقوّة السلاح.