إستياء أميركي من رفض «الصفقة».. دياب: ورثنا حطاماً إقتصادياً
لبنان يتحرّك في اتجاهين، الأول نحو استكمال بنائه الحكومي عبر التصويت على الثقة بالحكومة الجديدة، في الايام القليلة المقبلة. وربطاً بذلك، يفترض ان يبصر البيان الوزاري النور اليوم، إذا صَدق الوعد بذلك، على أن يقرّه مجلس الوزراء مع بداية الاسبوع المقبل، ليحال بعد ذلك الى مجلس النواب لمناقشته في جلسة مناقشة عامة مرئية ومسموعة، قرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري عقدها ليومين متتاليين بجولات نهارية ومسائية، مع إمكانية تمديدها وقتاً إضافياً، تِبعاً لعدد طالبي الكلام من النواب، حيث توحي الاجواء المجلسية بأنه سيكون حاشداً، وخصوصاً من نواب المعارضة.
أمّا الاتجاه الثاني، ففرضه التطور الاقليمي الذي تجلى في الاعلان الاميركي عن تفاصيل «صفقة القرن»، حيث سيحضر لبنان في اجتماع الجامعة العربية الذي سيعقد على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة اليوم، ببندٍ وحيد يتمحور حول الصفقة ومفاعيلها وتداعياتها على المستوى الفلسطيني وكذلك على الدول المحيطة بفلسطين ومن ضمنها لبنان، المُهدّد عبر هذه الصفقة بفرض توطين الفلسطينيين على أرضه.
لعلّها أكثر المرّات التي يصل فيها لبنان إلى منعطف شديد الخطورة، يضع مصيره أمام احتمالات شديدة الصعوبة، مثلما بَلغه حاله اليوم. سواء من الداخل الضاغط عليه بأزمة اقتصادية ومالية يشتدّ خناقها يوماً بعد يوم، ويبدو العثور على مخارج وعلاجات سريعة لها ضرباً من المستحيل، او من الخارج وما استجدّ مع ما تسمّى «صفقة القرن»، التي تُنذر بأن تهبّ على لبنان عاصفة التوطين، وما قد تستتبعه من توترات وإرباكات، وتهديد للبنيان اللبناني.
واذا كانت هذه الصفقة تُقَدَّم من قبل ادارة دونالد ترامب، ومعها اسرائيل، بوصفها أمراً واقعاً مفروضاً على كل المنطقة، فإنّ قدر اللبناني، وكما تؤكّد المستويات السياسية والرسمية والشعبية، أن يسخّر ما يتيسّر له من قدرات ذاتية لردّ هذه العاصفة عنه. وبقدر ما انّ الإجماع الداخلي محصّن للموقف اللبناني الرافض لتوطين الفلسطينيين في لبنان، والمؤكد على تثبيت حق عودتهم الى ديارهم، فإنّ هذا التحصين يتلاقى مع إجماع عربي حيال هذه المسألة.
إستياء أميركي
وعلى هذا الاساس، وكما تقول مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، تأتي مشاركة لبنان عبر وزير الخارجية ناصيف حتي، في الاجتماع الاستثنائي التي ستعقده جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة اليوم.
وكشفت المصادر عن استياء أميركي من ردود الفعل الرافضة لـ«صفقة القرن»، وقد وردت إشارات بهذا المعنى الى لبنان عبر بعض القنوات.
وفي السياق نفسه، عَبّر مرجع لبناني كبير عن خشيته من أن تمارس واشنطن ضغوطاً على اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، في محاولة لإرباك الموقف العربي المُنتظر ضد الصفقة وإحباطه وتنفيس مفاعيله.
وأشار المرجع الى انّ الموقف الاميركي يتّسِم بالانفعال حيال رَدّ الفعل الاعتراضي على صفقة القرن، وهو ما عَكسه «طبّاخ الصفقة» صهر الرئيس الاميركي دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، بهجومه على الفلسطينيين ووصفهم بأنهم «حمقى». هذا الانفعال الاميركي يعطي اشارة الى انّ ادارة ترامب لا تقبل اي اعتراض على ما تعتبره تسوية للصراع في الشرق الاوسط، تراهن عليها لكي تفتح أمام ترامب الباب لولاية رئاسية ثانية.
وكان كوشنر قد قال في تصريح أمس انّ القادة الفلسطينيين يبدون «حمقى للغاية» لرفضهم الفوري لـ«صفقة القرن»، التي تهدف الى وضع حد للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
أضاف: «الفلسطينيون يحتاجون، ربما إلى قليل من الوقت لأخذ حمّام بارد واستيعاب الخطة، فقد رفضوا الخطة قبل أن يَروها، وظنّوا أنها لن تكون جيدة كما اتّضَح. هذه لحظة فارقة بالنسبة لهم حتى يظهروا للعالم ما إذا كانوا مستعدين حقاً لأن يصبحوا دولة أو لا».
لا للتوطين
وأكدت المصادر الديبلوماسية انّ موقف لبنان ثابت على هذا الصعيد، لجهة تأكيد التمسّك بمقررات القمة العربية التي انعقدت في بيروت في العام 2002، ولاسيما لناحية الرفض التام للمحاولات الرامية إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج ديارهم، وكذلك التمسّك بقرارات مجلس الامن الدولي المتعلقة بالقدس وخاصة القرارات 242، 267، 465، 478.
وعشيّة الاجتماع، اعتبر وزير الخارجية ناصيف حتي انّ «صفقة القرن» هي محاولة للالتفاف على بعض القرارات وعلى بعض المبادئ الدولية التي تعنى بالشأن الفلسطيني، لاسيما حق الشعوب في تقرير مصيرها»، لافتاً الى انه «لا يمكن اللعب بمبدأ الحدود أو أن يأتي رئيس ويعطي حدود دولة لدولة أخرى».
وإذ أكّد التمسّك بحق العودة للفلسطينيين، اشار الى انه «سيجدد في اجتماع القاهرة موقف لبنان الذي أعلن عنه في بيروت عام 2002، امّا موضوع التوطين فهو أمر مرفوض».
موقف موحّد
وكشفت مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية» انّ الاجواء السابقة للاجتماع الوزاري العربي توحي باستشعار عربي شامل لحجم الخطر المترتّب على «صفقة القرن»، خصوصاً انها تفرض خريطة جديدة للمنطقة تضعها على فوهة بركان.
وأشارت المصادر الى انّ الجانب الفلسطيني سيقدّم للاجتماع العربي ورقة عمل، مبنية على الموقف الفلسطيني الشامل كل الفصائل الفلسطينية التي عبّرت عن رفضها القاطع للصفقة، وانّ الجو العربي بمجمله مُتمَاه مع الموقف الفلسطيني، وسيأتي موقفه في اجتماع القاهرة كرسالة الى الاميركيين بأنّ فلسطين ليست وحدها بل كل العرب الى جانبها، وسيتم التعبير عن ذلك بتبنّي الورقة الفلسطينية. والموقف العربي نفسه سيتم التعبير عنه في اجتماع وشيك على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وأيضاً خلال اجتماع البرلمانات الاسلامية المقرّر عقده بعد أيام في العاصمة الماليزية كوالالمبور.
بري
وقال الرئيس بري انّ صفقة القرن تمثّل دعوة صريحة لتصفية القضية الفلسطينية، ومفاعيلها تطال أوّلاً، الأردن التي تهدده بخطر وجودي، وثانياً لبنان بالتوطين وثمّة إجماع في لبنان ضد التوطين مؤكَّد عليه في الدستور والميثاق، وثالثاً مصر التي قد تجعلها الصفقة مضطرّة لأن تتخلى عن بعض الاراضي في سيناء لتوطين الفلسطينيين. ومن هنا، فإنّ هذه الصفقة يجب ان تكون مناسبة لكل الأحرار في عالمنا العربي والاسلامي بشكل عام وللشعب الفلسطيني بشكل خاص، من اجل إعادة إنتاج قوتهم المتمثّلة بتصليب الوحدة الوطنية والمقاومة خياراً وحيداً لتحرير الأرض ولحفظ آخر ما تبقّى من كرامة عربية».
قمة ثلاثية
داخلياً، برزت أمس زيارة وزير خارجية قبرص نيكوس كريستو دوليديس الى بيروت ولقاؤه كبار المسؤولين، حيث تأتي هذه الزيارة مع بدء الحديث عن انطلاق محادثات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل عبر الولايات المتحدة الاميركية، وزيارة قريبة يقوم بها المسؤول الاميركي المعني بهذه الملف دايفيد شينكر الى بيروت. وقد أعلن الوزير القبرصي عن بدء التحضيرات لقمة ثلاثية قبرصية – لبنانية – يونانية في نيقوسيا الربيع المقبل، لم تستبعد مصادر سياسية ان تكون مرتبطة في جانب منها بملف الحدود النفطية البحرية، وخصوصاً بين لبنان وقبرص.
إيجابيات… ولكن؟
على صعيد داخلي آخر، عكست أجواء السراي الحكومي مناخات تفاؤلية حَذرة حول الوضع الاقتصادي والمالي، أشاعها رئيس الحكومة حسان دياب أمام زوّاره، ولكن من دون ان يلزم نفسه بموعد محدّد لبدء ترجمتها عملياً على أرض الواقع.
واللافت في موازاة ذلك، كانت زيارة السفير القطري في لبنان محمد حسن جابر الجابر للسراي الحكومي، ولقاؤه رئيس الحكومة، الذي عكست أوساطه ارتياحاً لجَو اللقاء، فيما سمع زوّار السراي ما يفيد بأنّ السفير السعودي في لبنان وليد البخاري سيقوم قريباً بزيارة الى السراي، من دون أن يحدد موعدها. كما سمعوا ما يفيد عن ارتياح من موقف الدول العربية من الحكومة، ولاسيما الكويت، سلطنة عُمان، الاردن، مصر، البحرين. وكذلك من الموقف الاوروبي بشكل عام.
أصمدوا
والبارز في نشاط السراي أمس، لقاء رئيس الحكومة مع الهيئات الاقتصادية والمجلس الاقتصادي الاجتماعي، حيث تخللت ذلك مصارحة واضحة بحقيقة الوضع الذي يعانيه لبنان، حيث الصعوبات شاملة كل القطاعات بلا استثناء.
وعلمت «الجمهورية» في هذا المجال، أنّ ممثلي الهيئات الاقتصادية عرضوا لرئيس الحكومة ما تعانيه كل القطاعات التي يديرونها، من مشكلات وصعوبات، وكانت الصورة سوداوية لجهة انّ مختلف القطاعات باتَت تقف «على شوار»، وانّ المطلوب هو حلول جذرية وإنقاذ فوري قبل ان نصل الى الكارثة. ولعلّ اكثر ما تعانيه هذه القطاعات، وخصوصاً المصانع، هو عدم توفّر التمويل لاستيراد المواد الأولية.
وبحسب مصادر اقتصادية شاركت في اللقاء مع رئيس الحكومة، فإنه قدّم أمامها عرضاً للواقع الحكومي، وبرنامج عملها الانقاذي الذي تلتزم به لمعالجة الازمة الراهنة، ولخّصت ما سمعته من دياب، كما يلي:
– أمام الحكومة مهمة وحيدة، هي العمل على معالجة الازمة، وأنا شخصياً لم آت الى رئاسة الحكومة لكي أبني زعامة سياسية او شعبية او نيابية، بل انني جئت لكي أعمل وأُنجز. والوضع نفسه بالنسبة الى الوزراء في الحكومة، فهم جميعاً من التكنوقراط، لا يريد ايّ منهم ان يشتغل سياسة، بل يريدون ان يعملوا ويقدّموا إنجازات في وزاراتهم، وهنا لدينا هدف وحيد هو ان نعمل أكثر من طاقتنا للخروج من الأزمة، وما نطلبه فقط هو دعم الناس لنا.
– الحكومة الحالية ورثت حطاماً اقتصادياً ومالياً، وغايتها ان توجد العلاجات المطلوبة، صحيح أنّ الوضع الاقتصادي والمالي صعب، لكنه وضع ليس ميؤوساً منه. ما نتمناه هو ان تكون الحلول فورية وقريبة جداً، لكنّ صعوبة الوضع تحتاج الى جهد كبير جداً للمعالجة، وهذا ما سنسعى اليه.
– الى حين بلوغنا مرحلة الحلول التي نتوخّاها، ما أتمناه عليكم (الهيئات الاقتصادية)، هو ان تصمدوا بقدر ما تستطيعون ريثما تمر هذه المرحلة الصعبة. وأنا من جهتي أتواصل مع جميع المنظمات الدولية والسفراء في لبنان، ولمستُ منهم جميعاً رغبة كبيرة في التعاون معنا ودعم لبنان.
– في ما خَصّ عدم وجود تمويل لاستيراد المواد الاولية، فقد تحادثتُ مع حاكم مصرف لبنان، ومع بعض السفراء، وإن شاء الله نتمكن من تأمين بعض الاموال بالعملة الصعبة لتمويل استيراد المواد الاولية للصناعة اللبنانية، بما يمكّن المصانع في لبنان من الاستمرار، ويحول دون توقفها عن العمل، بما يزيد البطالة.
– في ما خَص سندات الخزينة (بالدولار)، فنحن ملتزمون بسدادها، ولا أقبل أبداً أن يقال انه في عهد حكومتي تَخلّف لبنان عن سدادها. هذا مع الاشارة الى انّ بعض السندات قد يتم تأخير سدادها طوعياً بالاتفاق مع الدائنين.
– انّ الازمة التي يمر بها لبنان، تتسَبّب بسلبيات كبرى. والأرقام، مع الاسف، تشير الى انّ من هم تحت خط الفقر ناهزوا نسبة الـ 50%.
– أمّا في السياسة، فملتزمون بالثوابت الوطنية اللبنانية، وأنا شخصياً سأتشدّد في موضوع النأي بالنفس.
– هناك من أثار مسألة سكني في السراي الحكومي، فهذا إجراء موقّت، وقد أملَته دواع أمنية، وليس أي أمر آخر.
جلسة البيان
من جهة ثانية، تابعت لجنة صياغة البيان الوزاري جلساتها، أمس، وبات شبه جاهز للاحالة كي يُقرّ في مجلس الوزراء.
وقال الرئيس بري انه ينتظر أن ينتهي مسار البيان الوزاري في الجانب الحكومي، اذ انه إذا أقرّ في مجلس بداية الاسبوع المقبل، فسيعيّن جلسة نيابية عامّة لمناقشته بداية الاسبوع التالي (الثلاثاء والاربعاء) مبدئياً.
يُشار في سياق الجلسة الى أنّ مجموعات الحراك الشعبي، وبحسب مصادرها، هي في صدد القيام بتحرّك وصف بـ«النوعي وغير المسبوق»، تواكب فيه أعمال جلسة مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة، علماً انّ بعض النواب، ومن بينهم نواب المعارضة، قد بدأووا من الآن حجز أدوارهم على منبر الخطابة في الجلسة، وهو ما يؤشّر الى انّ الشهية النيابية ستكون اكثر من مفتوحة للكلام في الجلسة من الموالاة كما من المعارضة، التي تسعى الى تحويل الجلسة الى منصّة جَلد عنيف للحكومة الجديدة والفريق الذي ألّفها.