البطاقة التّموينيّة إلى الواجهة… والضّبابيّة حولها مستمرّة!
في الرّبع الأخير من العام الماضي، حسم مصرف لبنان قراره برفع الدّعم عن المواد الاساسيّة وأبلغه إلى المسؤولين. أعلن أنّ الاحتياطي من العملات الاجنبيّة المخصّصة لهذه الغاية بدأ يتناقص، وأنّه سيكون غير قادر على الإستمرار بذلك مع بداية سنة 2021.
ومنذ تشرين الأول 2020، باشر المعنيون البحث عن آليّة توقف الهدر وتضمن وصول المنتجات المدعومة إلى مستحقّيها، فكان الحل بفكرة “البطاقة التموينيّة”، وهي بطاقة ذكيّة تخوّل المواطنين الحصول على السّلع الأساسيّة والغذائية بسعر مدعوم.إلّا أنّ هذه البطاقة لم تبصر النّور حتّى اليوم لأسباب عدّة، وشهدت كغيرها من الإقتراحات “مراوغات” من بعض المعنيّين و”صمّ آذان” من البعض الآخر.ولكن، بعد أن بات رفع الدّعم ضرورة لا محالة في نهاية أيّار مع نفاد الاحتياطات الأجنبيّة “كلّيًا”، عادت الأصوات الدّاعية لإقرارها بأقرب وقت تعلو، وعادت الإجتماعات حولها تتكثّف!أسئلة عدّة تطرح حول هذه البطاقة يمكن اختصارها بمن، كيف، متى وإلى متى؟فالخطّة لا تزال ضبابيّة خصوصًا لناحية المستفدين منها، فهي مخصّصة للأسر الأشدّ فقرًا، وهذا ما يثير التّساؤل: من هم الأشدّ فقرًا وما هي المعايير المعتمدة لتصنيفهم؟ خصوصًا أنّ 50% من اللّبنانيين باتوا تحت خطّ الفقر بحسب آخر دراسة للبنك الدولي! لاعتماد المعايير الدوليّةحول هذه الأسئلة يجيب وزير الشّؤون الإجتماعيّة الأسبق ريشار قيومجيان، بأنّه كغيره من المواطنين لا يعلم ماهيّة هذه البطاقة بعد وهل ستكون مختلفة عن البطاقات التي تصدرها وزارة الشّؤون ضمن برنامج “الأسر الأكثر فقرًا”.وفي حديث إلى وكالة “أخبار اليوم”، يشير قيومجيان إلى أنّه لدى الوزارة قاعدة بيانات لهذا المشروع تضمّ حوالي 43 ألف عائلة، ولكن من المفروض أنّه بدأ العمل على تحديثها بعد تشكّل حكومة الرئيس حسان دياب والبدء بالبحث عن آليّة للمساعدة. ويستطرد قائلًا: “نحن بحاجة للعاملين في برنامج الأكثر فقرًا لأننا قادمون على أزمة وهم ذوو خبرة في مجال الإحصاءات، في وقت يلجأ المدير العام إلى صرفهم من دون وجه حق بدل إقامة دورات لمساعدتهم بالقيام بالواجب”. ويصف ما يحدث على الصّعيد الإجتماعي بـ”المسخرة” وغياب تامّ لمعالجة الموضوع!وبالعودة إلى المعايير المعتمدة، يؤكّد قيومجيان أنّها الأهمّ في عمليّة التّوزيع، وهي موضوعة في الأساس في البرامج السّابقة، هي معايير دوليّة توضع بالتنسيق مع البنك الدولي ومنظّمة الغذاء العالمي.وحول التّخوّف من المحسوبيّات والزّبائنيّة في عمليّة التوزيع كالتي شهدها اللّبنانيّون خلال توزيع الـ 400 ألف ل ل، يجيب قيومجيان أنّه حتى الآن لا يعرف الأسس التي توزّعت على أساسها رغم أنّهم قسّموا الأهداف لأربع فئات حينها، ويعتبر أنّ السير في نفس الإتجاه سيكون خيارًا كارثيًّا لعدم وضوح المعايير وسيطرة المحسوبيّات والإنحياز المناطقي والطّائفي.من هذا المنطلق، يدعو قيومجيان اللّجان والهيئات المتخصّصة في السّرايا إلى الكفّ عن هذه العشوائيّة في التّوزيع والتّركيز على المعايير الدّوليّة المحقّة. الأولويّة لإطعام الناسوفي موضوع التّمويل، يشير قيومجيان إلى أنّ “قرض البنك الدولي ( بقيمة 246 مليون) لم يصرف لغاية الآن بسبب تذاكي بعض المسؤولين”. ويرى أنّ الأولويّة الآن لإطعام النّاس، فنحن في أزمة وبين موت الناس جوعًا أو أخذ قرض ميسّر يفضّل أخذ القرض، لأن لا خيار سوى ذلك، مؤكّدا أنّ لبنان ليس أوّل دولة تقوم بذلك وكانت التّجارب في بلدان عانت من أزمات مماثلة ناجحة. ويذهب في اقتراحه إلى أبعد من ذلك، إلى متابعة البنك الدولي للمشروع ومواكبته على مدى بعيد وإلى توسعة القرض كون عدد الأسر مرتفع (بين 700- 800 األف أسرة).وكجهة تمويليّة أخرى، يحثّ قيومجيان المسؤولين على “دقّ الأبواب”، شرط أن تكون الحكومة ذات مصداقيّة لمعرفة إدارة الهبات. ويدعو الحكومة إلى مصارحة اللّبنانيّين حول قرض البنك الدولي وما الذي يعيقه، واصفًا التّأخير وإضاعة الوقت بـ”جريمة” في حقّ اللّبنانيّين، خصوصًا أنّ البنك الدولي لن يغيّر شئيًا وسيمشي بالمشروع كما هو دون أيّ تعديلات بحسب مصادره. استدامة المشروع ضرورةوعمّا إذا كان المشروع قصير الأمد، يؤكّد قيومجيان أنّ الحاجة إلى استدامة المشروع ضروريّة، فلا يمكن القيام به لفترة زمنيّة قصيرة بانتظار أن تقوم الحكومة وأن ينهض البلد بنموّ ومداخيل جديدة، لأنّ ذلك سيأخذ وقتًا لا يستهان به.ويختم: “للنهوض بالبلد يجب تشكيل حكومة متخصّصة، ملمّة بالتواصل مع المؤسّسات النّقديّة الدوليّة ذات مصداقيّة، لتتمكّن من وضع خطّة واضحة ولو أنّها ستكون صعبة وقاسية على اللّبنانيّين، المهمّ أن يبدأوا”.
أخبار اليوم