الخلاف يحسم اليوم: التمسك بخط 23 والتوسع بعمق البحر
كتب منير الربيع في المدن
قبل بدء الاجتماع الخامس لمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في الناقورة، عُقد اجتماع مع رئيس الوفد الأميركي جون ديروشير، جرى فيه التداول في ما يمكن تحقيقه لاستكمال المفاوضات. وتؤكد المعلومات أن الأميركيين أبدوا استعداداً لإبقاء الجلسات مفتوحة، حتى التوصل إلى حلّ.
عرض رئيس الوفد الأميركي على لبنان التفاوض بناء على مقترح خطّ هوف أي ضمن مساحة 860 كلم مربعاً. رفض لبنان كلياً هذا المبدأ، وأصر على التفاوض وفق القانون الدولي. كان الوفد اللبناني متسلحاً بخرائط لديه تدعم قانونية مطالبته بالخطّ 29. استمر التفاوض خمس ساعات، ولم يتم التوصل خلالها إلى اتفاق، بسبب الإصرار الأميركي والإسرائيلي على التفاوض ضمن المساحة المنصوص عليها في مبادرة فريديرك هوف.
بعد انتهاء الجلسة، توجه الوفد المفاوض إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية، وتم وضعه في صورة التطورات، فأصدر القصر الجمهوري بياناً، أشار فيه إلى أن الطرح الأميركي يخالف ما يطالب به لبنان، ويفرض شروطاً مسبقة على التفاوض، وطالب بيان رئاسة الجمهورية بالتفاوض وفق القانون الدولي ومن دون تحديد خطوط أو شروط مسبقة، لأن لبنان لن يقبل بالحصول على ما يعرض عليه في خطّ هوف، أي 55 بالمئة من مساحة 860 كلم مربعاً.
تكشف المعلومات أن الاتصالات استمرت بين رئيس الجمهورية والوفد المفاوض والوفد الأميركي للبحث في إمكانية عقد جلسة التفاوض يوم الأربعاء، وإزالة كل الشروط المسبقة. مساع كثيرة بذلت لأجل إنجاح المفاوضات، لأن مختلف الأطراف مصرّة على إنجاز هذا الملف. ولذا، فقد تم الاتفاق في ساعة متأخرة من الليل، على عقد جلسة مفاوضات جديدة قد تكون حاسمة، اليوم الأربعاء.
يسبق ترسيم الحدود المعضلات اللبنانية الأخرى ويتقدّم عليها. وهو الوحيد القابل لأن يشكل المدخل لحلّ على إيقاع التطورات في المنطقة، والتحولات التي تشهدها العلاقات بين إيران من جهة، والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى. وكذلك مروراً باللقاء السعودي-السوري الذي ينذر بتحول مؤثر على الوضع في لبنان.
استقرار إسرائيل والسعودية
الاتفاق النووي، وأي تسوية بين إيران وأميركا، لا بد من أن تمرّ في معبرين أساسيين: استقرار كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وواشنطن تفاوض عن إسرائيل وتحاول تحسين شروطها، فيما السعودية اختارت طريق التفاوض المباشر.
وتبدو إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، مستعجلتين لإنجاز ملف ترسيم الحدود. ولبنان بدوره يستعجل حل هذه المعضلة، ولكن مع الحفاظ على حقوقه وثرواته البحرية.
وانطلاقاً من هذا المبدأ، عقدت أمس الثلاثاء 4 أيار الجاري الجولة الخامسة من المفاوضات في الناقورة، بعد تجميدها خمسة أشهر، بسبب الخلافات الناجمة عن مطالبة لبنان بمساحة 2290 كلم مربعاً، واعتماد الخطّ 29 منطلقاً للتفاوض. وهذا ما رفضه الأميركيون والإسرائيليون.
وعندما زار ديفيد هيل لبنان وسئل عن الموقف الأميركي من مرسوم توسيع الحدود البحرية الشهير، أجاب أنه قد يعرقل المفاوضات ويؤخر الحلّ. وعلى هذا الأساس جُمد المرسوم وفتحت مجدداً طريق المفاوضات.
أكثر من 860 كلم
وذهب الوفد اللبناني إلى الجلسة متسلحاً بخرائطه، للمطالبة بالخطّ 29، إضافة الى رفضه اعتماد التأثير الكامل لصخرة تخيليت التي يعتبرها المفاوض الإسرائيلي جزيرة. أما وفق القانون الدولي فتنتفي أسباب اعتبارها جزيرة، لأنها تفتقد مقومات الحياة عليها.
كان لبنان يتوقع أن يقترح الأميركيون صيغة تسووية، تعتمد على نصف تأثير للصخرة، في مقابل اعتماد لبنان الخطّ 23 وما بعده، وليس اعتماد خط هوف أي التفاوض ضمن مساحة 860 كما يريد الإسرائيلي. وهذا يعني تركيز لبنان على تحصيل مساحة أكبر من مساحة 860 كلم مربع، بدلاً من الموافقة على خطّ هوف الذي كان يقترح على لبنان مساحة أقل من تلك المساحة. فالسفير الأميركي اقترح أن ينال لبنان حصة 55 في المئة من مساحة 860، مقابل 45 لإسرائيل. ولبنان يريد تجاوز هذه النقطة بشكل كامل، من خلال الحفاظ على مساحة 860 كلم كاملة، والإصرار على تحصيل المزيد من المساحة. أي تثبيت حقه في الخطّ المثبت لدى الأمم المتحدة. وهو الخطّ 23 الذي أقر في حكومة فؤاد السنيورة، وأعيد التصديق عليه في حكومة سعد الحريري ونجيب ميقاتي.
حقل قانا وسواه
وفي اللقاء الذي عقد بين رئيس الجمهورية والوفد اللبناني المفاوض عشية جلسة المفاوض، كان موقف رئيس الجمهورية حاسماً: عدم التراجع عن الخط 23، والأهم هو العمل على تحصيل المزيد من المساحة جنوباً.
وهنا لا بد من التركيز، وفق توجهات الوفد اللبناني المفاوض، على أهمية ما تحت الماء وليس على سطح الماء. أي الحصول على الحقول الموجودة في البحر، ومن بينها مثلاً حقل قانا، الذي يصر لبنان على الحصول عليه. وهو يبدأ ضمن مساحة الخط 23 ويمتد جنوباً. وهذه المعادلة تنطبق على الحقول الأخرى المشابهة. وفي حال ثبتت الحدود اللبنانية على الخطّ 23، يكون لبنان قد حقق إنجازاً: حافظ على مساحة 860 كلم مربعاً، وزاد عليها بحصوله على حقول أخرى، ومن بينها حقل قانا الذي يمتد جنوباً.
إسرائيل مستعجلة
وتشير مصادر متابعة إلى أن إسرائيل مضطرة لتقديم تنازلات واتخاذ مواقف لينة. فهي تستعجل البدء بعمليات استخراج النفط والغاز، وتريد الحفاظ على حقل كاريش، الذي تستعد لبدء عمليات الاستخراج منه. وهذا يقتضي منها تقديم تنازل في مساحات أخرى. وهذا يحقق مكسباً للبنان: أكثر من مساحة الـ860 كلم، وحماية الحقول التي لديها امتداد أكثر نحو الجنوب. إنجاز ملف الترسيم ينعكس إيجاباً على الواقع السياسي في لبنان. وهذا يحتم الذهاب إلى تشكيل الحكومة، لتعمل على توقيع مرسوم الاتفاق.