وقف قبول طلبات “الأكثر فقراً”: 600 ألف عائلة للنسيان
للوهلة الأولى عند قراءة بيان وزارة الشؤون الاجتماعية (مستند مرفق) الذي تعلن فيه تعليق التقدّم بطلبات إلى برنامج الأسر الأكثر فقراً، يخال لنا أن الوزارة أحصت كافة فقراء لبنان ومعوزيه، وطرقت أبواب بيوتهم من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، مروراً بجرود عكار والهرمل والمناطق المنسية من الدولة اللبنانية منذ عشرات السنين.. فيما الواقع مغاير تماماً لهذا المشهد. أقفلت الوزارة باب التقدم بالطلبات إلى البرنامج المذكور لتجاوز أرقام المتقدمين الإمكانات المتوافرة للدعم والمساعدة. وتالياً، لإفساح المجال أمام العاملين في البرنامج للتدقيق بأسماء المتقدمين وتصفية أسمائهم. هذا تبرير الوزارة لإغلاق منصة تسجيل الأسماء نهاية شهر أيار الجاري. والسؤال ماذا عن الفقراء غير المسجّلين في المنصة؟ وماذا عن الفقراء غير المتمكّنين من الوصول إلى الإنترنت أو إلى مقر الوزارة ومكاتبها؟ وماذا عن الفقراء المُبعدين عند أطراف المناطق النائية وغير العالمين أصلاً ببرنامج الأسر الأكثر فقراً؟
لا طلبات بعد 30 أيار
بعد أسبوع من اليوم، أي يوم الإثنين الواقع فيه 31 أيار 2021 تتوقف المنصة الإلكترونية العائدة إلى البرنامج الوطني لاستهداف الأسر الأكثر فقراً www.nptp.gov.lb عن قبول تقديم طلبات الأسر. وذلك بموجب قرار صادر وموقع من مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية القاضي عبدالله أحمد. وحسب مصدر من الوزارة فإن عدد الطلبات المتقدمة عبر المنصة بلغ حتى اليوم أكثر من 750 ألف طلب. وهو السبب الذي دعا المدير العام إلى إقرار تعليق العمل بالمنصة نهاية الشهر من دون وقف استقبال الطلبات تسليم اليد في مقر وزارة الشؤون. ويؤكد المصدر في حديث إلى “المدن” أن القرار حالياً اقتصر على الموقع الإلكتروني، لكنه سينسحب على الطلبات التي يتم تقديمها مباشرة في الوزارة أيضاً. بمعنى ان الطلبات سيتم تعليقها بكافة السبل، إذ “لا يمكن الاستمرار بفتح باب التقدم بطلبات مدى الحياة يجب التوقف في مكان ما لتقييم المتقدمين بطلباتهم والتدقيق بها وتصفيتهم وتصنيفهم”، على ما يقول المصدر.
بعد وقف التقدم بطلبات جديدة نهاية الشهر الجاري، تبدأ عملية التدقيق بالأسماء المتقدمة، وفرز أولئك المتقدمين بأكثر من طلب والمتقدمين بعدة طلبات من العائلة الواحدة، وتحديد هوية الأشخاص الذين تنطبق عليهم المواصفات المعنية بالإستفادة من برنامج الأسر الأكثر فقراً. وبعد الانتهاء من عملية التدقيق، وتقييم الوضع، يتم تحديد ما إذا كان من ضرورة لاستئناف فتح باب التقدم بالطلبات من جديد، أم أن أرقام المتقدمين أصبحت كافية، أو ربما فاقت القدرة المالية المحدّدة للمساعدات. يؤكد مصدر رفيع من برنامج الأسر الأكثر فقراً في حديث إلى “المدن”، أن عدد العائلات الفقيرة المسجلة حتى اليوم أصبح نحو 750 ألف عائلة، في حين أن برنامج الأسر الأكثر فقراً لا يطال أكثر من 150 ألف عائلة فقط. إذاً ماذا عن باقي العائلات التي سجّلت أسماءها ولن تطالها المساعدات؟
لا مساعدات
مئات الآلاف من العائلات الفقيرة التي تمكّنت من التقدّم بطلبات عبر منصة البرنامج في وزارة الشؤون الإجتماعية لن تطالها المساعدات، ولن تحصل على الدعم المنتظر. والسبب، أن حجم المساعدات المرتقبة لا يكفي لأكثر من 150 ألف عائلة. فبرنامج الأسر الأكثر فقراً يغطي حالياً 50 ألف عائلة. وسيعمل فريق عمل البرنامج على تحديد أسماء العائلات المستحقة من ضمن العائلات التي تقدمت بطلبات. وسيتم تحديد 150 ألف عائلة فقط من أصل أكثر من 750 ألف طلب. ما يعني أن قرابة 600 ألف شخص أو عائلة متقدمة بطلبات إلى الوزارة لن ينالها حالياً أي شيء من المساعدات المرتقبة إلى أجل غير مسمى.
ووفق المصدر، فإن الأسماء المتقدمة بطلبات حتى 31 أيار سيتم تحديدها بعد فلترتها بناء على حجم القرض المرتقب الحصول عليه من البنك الدولي، أي 246 مليون دولار. وهو ما يكفي لنحو 150 ألف عائلة، أما في حال تم تأمين المزيد من القروض أو الأموال عموماً، فسيزيد عدد العائلات المستفيدة ربما إلى 300 ألف عائلة أو 600 أو حتى 750 ألف عائلة، لكن حالياً لن يتم العمل على تحديد أكثر من 150 ألف عائلة فقط، تُضاف إلى العائلات المغطاة حالياً من البرنامج أي الـ50 ألف عائلة.
أما عن القرض المرتقب من البنك الدولي، والحديث عن احتمال تغطيته مئات الآلاف من العائلات، وفق ما يُروّج بعض السياسيين، يوضح المصدر، أن هذا الملف تحيطه الكثير من الشائعات والمغالطات. فالقرض المنتظر، 246 مليون دولار، سيطال 150 ألف عائلة جديدة فقط تُضاف إلى الـ50 ألف عائلة المغطاة مسبقاً، ليصبح المجموع 200 ألف عائلة مغطاة اجتماعياً (بعد الحصول على القرض)، على متوسط 5 أفراد لكل عائلة، لتصبح الحصيلة هي تغطية نحو مليون مواطن لبناني. ويشكّك المصدر بالحصول على القرض بقوله “هذا في حال تم الحصول على قرض البنك الدولي”!
معايير قبول الطلبات
هناك معايير يتم وفقها تحديد العائلات الأكثر فقراً، وهي لا تقتصر على الفقراء العاجزين تماماً عن تأمين قوتهم اليومي أو المعدمين، بل تشمل أيضاً الفئات التي تعمل بشكل يومي وتعجز عن تأمين مستلزماتها الأساسية اليومية. أما بالنسبة إلى الموظفين الذين تآكلت رواتبهم بحكم انهيار سعر القدرة الشرائية لليرة، وعما إذا كانت المساعدات ستشملهم، يجزم المصدر بأنه حتى اللحظة لا تشمل المساعدات موظفي القطاعين العام والخاص، ولا حتى القطاعات الأمنية كالجيش والدرك وغيرهم. فموظفو القطاع العام مستثنون إلى حين إقرار مجلس الوزراء بحقهم بالاستفادة من المساعدات.
آلاف العائلات غير مسجلة
وحسب متابعة آلية التقدم بالطلبات عبر المنصة الإلكترونية للبرنامج، يمكن الجزم بأن هناك آلاف العائلات العاجزة عن التقدم بطلب المساعدة، منها من لا يملك القدرة على الوصول للإنترنت، أو أنه لم يسمع بالبرنامج على الإطلاق، خصوصاً في المناطق النائية. كما أن هناك الكثير من الفقراء والمعوزين لا يملكون الهواتف ولا إمكانات لديهم في التواصل. وبالتالي، لم يتمكنوا من التقدم بطلبات. إذ أن المنصة لا تقبل الطلب في حال عدم توفر رقم هاتف للشخص المعني. هذا الأمر يدفع إلى السؤال عن ماهية الأصول في إحصاء الفقراء والمعوزين في بلد يعجز فيه أكثر من نصف مواطنيه عن تأمين معيشتهم اليومية كلبنان. وهل يمكن الإكتفاء بوسيلة التقدم بطلب المساعدات إلكترونياً، أم يتحتم على وزارة الشؤون الاجتماعية البحث وإحصاء الفقراء ميدانياً؟
المدن