لبنان يختنق.. ينتظر إدارة إيرانية سعودية
..وكأن المطلوب أن يبقى لبنان معلّقاً في انتظار الوصول إلى لحظة تغيير الصيغة اللبنانية جذرياً. وكل صيغة اتفاق تسبقها استحقاقات كبرى كثيرة، لا يبدو لبنان جاهزاً لها، لا سياسياً، ولا اقتصادياً ولا مالياً.
بين الدولة واللادولةسياسياً، هناك التزامات كبرى لا تريد القوى اللبنانية الدخول فيها: ترسيم الحدود الجنوبية والشرقية، السلاح، والوضع السياسي والدستوري في الداخل. أما مالياً واقتصادياً، فعلى القوى نفسها مواجهة مشكلات وقرارات قاسية، وغير شعبية، مع صندوق النقد الدولي، وسوى ذلك من معضلات مالية أخرى لا يقدر أحد على مواجهتها.
وفي حال تشكلت حكومة، فالأكيد أنها ستتحول جبهات صراع، تنقل الخلافات بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف والنزاع على الصلاحيات، إلى نقاش أكثر جدية: التفاوض الصارم مع صندوق النقد الدولي. وهي مفاوضات تطرح المرافئ والمعابر والمرافق العامة كلها على بساط البحث.
وبمعنى آخر، لا بد من انتقال البحث إلى مسألة مركزية وأساسية: إما أن يكون لبنان دولة أو يكون لا دولة. وهذه مسألة أو معضلة شائكة ووجودية لقوى سياسية في لبنان ولبنانية، والصراع حولها وجودي وشاق وطويل. لذلك، لا بد من إبقاء السجال في أمور سياسية عادية: تشكيل الحكومة، والحوار، والانتخابات. وهذا ما جعل الفشل والتعطيل العمد مصير كل المبادرات والطروحات التي حصلت، في انتظار تبلور صورة التطورات في المنطقة.
تعطيل، تسويات، واختناق
ومن أبرز الأمثلة على هذا الانتظار، مرحلة الفراغ الرئاسي طوال سنتين ونصف السنة، قبل التسوية على ميشال عون رئيساً، على الرغم من كل المبادرات التي حصلت، ومنها ترشيح سليمان فرنجية. لكن الإفراج عن ذاك الاستحقاق لم يحصل إلا عندما حانت لحظة انتخاب عون، تماشياً مع ظروف إقليمية ودولية، وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سياسة النفس الطويل التي تنتهجها إيران في مفاوضاتها، لا يمكن للبنانيين تحمّلها، بل تنقطع أنفاسهم ويختنقون في انتظارها. فعندما حانت فرصة انتخاب عون مثلاً، كان الجميع في الداخل اللبناني، حتى أبرز المعارضين بينهم، يختنقون بحثاً نسمة هواء أو مخرج، فجاء عون رئيساً.. واستمر الاختناق.
واليوم قد يرضى المعارضون بما يرفضونه، تجنّباً للاختناق والسقوط في الهاوية، بما أن إيران على حالها: تجيد اللعب على حافة الهاوية التي يقع فيها اللبنانيون مستسلمين.
وهذه هي المنهجية الإيرانية في سوريا واليمن، ولبنان سابقاً، وصولاً إلى صفقات اللحظة الأخيرة، وتحقيق المكاسب باعتراف دولي، بما أن إيران تمسك بالأرض وتسيطر عليها.
إيران والسعودية وأميركا
وهناك من يعتبر أن لا حلّ في لبنان إلا باتفاق إيراني-سعودي، ينعكس على الواقع الداخلي. وهذا مسار طويل، نتائجه لن تكون سريعة. وهناك من يراهن على أن تتولى إيران دولياً الشأن اللبناني بالتنسيق مع السعودية. وذلك على القاعدة التي اتبعت منذ أيام هاشمي رفسنجاني والملك فهد بن عبد العزيز، وبعدها بين الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد آنذاك والرئيس الإيراني محمد خاتمي.
لكن هذا التعاون يفترض أن يكون تحت سقف الرعاية الأميركية، وعلى قاعدة المقايضة بين المعضلتين، اللبنانية واليمنية. وتتحدث معلومات عن أن الأميركيين نصحوا السعوديين بالتفاوض مع الإيرانيين. لكن وجهة نظر أخرى تؤكد أن السعودية هي التي اختارت سلوك طريق التفاوض، كي لا تكون واشنطن هي التي تفاوض عنها، وكي تكون حاضرة في مقدمة المشهد.
وفي كلتا الحالتين، كلما تقدّمت المفاوضات الإيرانية-الأميركية في اتجاه توقيع الاتفاق النووي، يكون هناك تقدم على خطّ المفاوضات السعودية-الإيرانية.
فرنسا والفاتيكان
هذه الوقائع كلها أصبحت مشهودة ومعروفة لكثيرين. لذلك هناك قوى دولية وإقليمية تحاول مواكبة التطورات، والبقاء حاضرة على الساحة اللبنانية: فرنسا التي لا يزال رئيسها يسعى لزيارة الخليج. ويفترض أن تحصل الزيارة خلال هذا الشهر. وهناك دعوة الفاتيكان لرجال دين يمثلون الطوائف المسيحية لعقد لقاء معهم في شهر تموز.
وهذا معطوف على تحرك البطريرك الماروني بشارة الراعي لعقد اجتماع قمة إسلامية-مسيحية، ووضع خطوط عريضة وخلاصات معينة يذهب بها إلى الفاتيكان. وذلك لبلورة تصور محدد يواكب مسارات التفاوض الحاصلة في المنطقة، ولا يكون لبنان غائباً عنها.
المدن