البطاقة التمويلية بالليرة أو الدولار.. ومن تستهدف؟
منذ أكثر من عام يجاهر السياسيون بمختلف انتماءاتهم بالحديث عن ضرورة وقف الدعم، واستحداث بدائل تعوّض الفقراء ومحدودي المداخيل انهيار قدرتهم الشرائية. يؤيدون إقرار البطاقة التمويلية بالعلن، ويوسّعون نطاق الدعم سراً. الدعم الذي يطالهم ويطال كبار التجار والمستوردين وتكتّلات المحتكرين وكارتيلات النفط والدواء والقمح والمواد الغذائية وغيرها.. وهم جزء منهم. استفاد السياسيون والتجار من الدعم، وطالهم منه أكثر من الشرائح المستهدفة التي نراها اليوم تقف طوابيرَ أمام المحطات والأفران، وتستجدي علبة الدواء والحليب من الصيدليات.
بالأمس، شهدنا ازدحاماً لاقتراحات القوانين المقدّمة من التكتلات الحزبية للبطاقة التمويلية. واليوم، نشهد سجالات حول ضرورة إقرار البطاقة، وأهميتها بين أكثر المعرقلين لإقرارها والمهلّلين لاستمرار الدعم. وآخر تلك السجالات بين النائبين جبران باسيل وعلي حسن خليل. أما في واقع الأمر، فلا نّية لأي طرف سياسي باقتراح البطاقة التمويلية ولا بإقرارها فيما لو حصل. فالبنك الدولي صاحب الاقتراح أولاً وأخيراً وصاحب التمويل أيضاً، بشكل مباشر أو غير مباشر. أما سياسيو هذا البلد، فأقصى آمالنا بهم أن يُحسنوا تطبيق البطاقة التمويلية، وأن يُحسنوا اختيار العائلات المستحقة لها، وعدم إدخال الملف في إطار الزبائنية والمحاصصة.
3 اقتراحات قوانين
ثلاثة اقتراحات قوانين تم التقدّم بها الى مجلس النواب لإقرار البطاقة التمويلية (أحدها من النائب فيصل كرامي، والثاني مقدم من كتلة الجمهورية القوية، واقتراح قانون مقدم من تكتل لبنان القوي) بالإضافة الى مشروع قانون وقعه وأحاله رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب.
جميع الاقتراحات بُنيت على فكرة منح مبلغ نقدي من المال إلى الأسر محدودة المداخيل، سواء بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي. لكن من المُرتقب، وفق معلومات “المدن”، أن يباشر مجلس النواب يوم الأربعاء المقبل 16 حزيران، مناقشة اقتراح قانون البطاقة التمويلية المقدّم من تكتل لبنان القوي، الذي استحوذ على صفة الاستعجال المكرّر كونه الأكثر شمولية.
وحسب الباحثة القانونية المحامية جوديت التيني، وهي المعنية بكتابة نص اقتراح قانون البطاقة التمويلية، فالبطاقة تستلزم إقرار قانون من مجلس النواب، ولا يمكن إقرارها من قبل الحكومة، بصرف النظر عما إذا كانت حكومة فعلية أم حكومة تصريف اعمال، وذلك استناداً إلى المادة 88 من الدستور التي تنص على أنه: لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهد يترتب عليه إنفاق من مال الخزانة إلا بموجب قانون. وهذه البطاقة يترتب عليها طبعاً الإنفاق من مال الخزينة.
ربط البطاقة بالدعم
على الرغم من اعتراف السلطة السياسية بعدم جدوى استمرار الدعم بشكله الحالي، واستنزافه لاحتياطات مصرف لبنان الدولارية، لم يبادر يوماً أي من الأحزاب السياسية أو حتى الحكومة بتقديم طرح بديل عن الدعم قبل اقتراح البنك الدولي. ففكرة البطاقة التمويلية التي يتسابق السياسيون على تبنيها تعود -وفق حديث التيني لـ”المدن”- إلى البنك الدولي. فالبنك الدولي كان قد أجرى دراسة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد في أواخر العام 2020، ارتأى فيها ضرورة منح البطاقة للأسر اللبنانية لمساندتها اجتماعياً ومعيشياً، لقاء ما خسرته من قدرة شرائية بسبب رفع الدعم. وتبيّن في تلك الدراسة ضرورة أن تغطي قيمة البطاقة 100 في المئة من الإحتياجات الأساسية للعائلات الأكثر حاجة، ويشكلون بالحد الأدنى 25 في المئة من اللبنانيين، و41 في المئة من احتياجات الطبقة المتوسطة. ويقضي الاقتراح بمنح 175 دولاراً لعائلة مؤلفة من 4 أشخاص بمعدل 50 دولاراً للفرد فوق 23 سنة، و25 دولاراً للفرد ما دون 23 سنة في السنة الأولى. ورأى البنك الدولي أنّ كلفة البطاقة ستكون مليار و200 مليون دولار في السنة، أي مئة مليون دولار في الشهر.
تكلفة الدعم بالأرقام
ترتبط البطاقة التمويلية بشكل مباشر بموضوع رفع الدعم، خصوصاً بعد استنزاف احتياطات مصرف لبنان وبلوغها مرحلة الخطر. فالدعم كلّفَ الدولة خلال عامي 2020-2021 حسب الأرقام الرسمية نحو 500 مليون دولار شهرياً، توزعت على الشكل التالي:
– بنزين: 86 مليون دولار شهرياً.
– غاز: 9 مليون دولار شهرياً.
– مازوت: 99 مليون دولار شهرياً.
– أدوية: 100 مليون دولار شهرياً.
– سلع أساسية: 80 مليون دولار شهرياً (السلع الأساسية من إنتاجية أي مواد أولية للصناعة والزراعة، واستهلاكية أي ما يشتريه المواطنون من السوبرماركات).
– القمح والطحين: 12.5 مليون دولار شهرياً. وبسبب ارتفاع أسعار القمح عالمياً، أصبحت كلفة الدعم 29 مليون دولار في الشهر.
– القطاع العام: 69 مليون دولار شهرياً (القنصليات في الخارج والمستشارين في الإدارات وغيرها…).
– مؤسسة كهرباء لبنان: 104 مليون دولار شهرياً (نفقات فيول وصيانة).
عدد المستفيدين وقيمة المبالغ
يجب ألا يقل مجموع الأسر المستفيدة من البطاقة التمويلية عن 750000 أسرة لبنانية. وهذا ما أوصى به البنك الدولي. وفي اقتراح القانون الأخير يصل العدد إلى مليون أسرة لبنانية.
وبالنسبة للمبلغ، فهو مبلغ مقطوع وشهريّ، حده الأقصى وفقاً لرأي ودراسة الحكومة 127 دولاراً، ومحدداً بالدولار الأميركي أو ما يوازيه بالليرة اللبنانية (ومن الممكن أن يكون تحديده على أساس سعر الصرف الرائج بناءً على تعميم يصدر عن المصرف المركزي). ويبقى من الأفضل اقتصادياً أن يمنح المبلغ بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة اللبنانية، للجم الزيادة المفرطة للتضخم ولتجنّب مزيد من انهيار الليرة.
ويرتكز تحديد المبلغ إلى ما خسرته العائلة من قدرة شرائية، بفعل رفع الدعم عن السلع التي كانت مدعومة لعشرات السنين. وهناك دراسة أثر حسابية لذلك (كم خسرت الأسرة من قدرة شرائية عند رفع الدعم على ربطة خبز واحدة ومولد كهرباء 5 أمبير وقارورة غاز و20 لتر مازوت و20 ليتر بنزين أو فرق سعر النقل العام).
الفئات المستهدفة
أما لجهة الفئات المستهدفة من البطاقة التمويلية، فإنه من المفترض من العائلات المحتاجة أن تتقدم بالتسجيل في المنصة، أو البرنامج الذي سيحدَّد لمنحها البطاقة. وتعدِّد التيني المنصات أو البرامج الموجودة، وفقاً للورقة الملحقة باتفاقية القرض بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، التي أقرها مجلس النواب بتاريخ 7 نيسان 2021. وهي:
1- IMPACT منصة تابعة للتفتيش المركزي: مسجّل فيها ما يفوق 486000 أسرة لبنانية.
2- NSSP البرنامج الوطني للتكافل والتضامن (الذي يعطي اليوم مساعدة شهرية بقيمة 400000 ليرة. لا نعلم عدد الأسر المسجلة).
3- NPTP برنامج الفقر: مسجّل فيه 50 ألف عائلة.
4- ESSN المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي، للاستجابة لجائحة كوفيد 19 والأزمة الاقتصادية في لبنان، أي اتفاقية قرض البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار، والتي تغطي 161 ألف أسرة، والتي أقرّت حديثاً. وهي تعطي لوزارة الشؤون الاجتماعية مهمة تسجيل العائلات في غضون شهر واحد.
يتبيّن من هذا العرض انّ منص ةIMPACT هي المتقدّمة بالتسجيل على سائر المنصات. وهي الوحيدة الشاغرة، لتكون وزارة الشؤون الاجتماعية هي المعنيّة بالأسر المحددة باتفاقية القرض المذكورة وفقاً لما قررته تلك الاتفاقية.
تمويل البطاقة
تبقى المعضلة الأساس أمام البطاقة هي كيفية تمويلها. فاتفاقية القرض سابقة الذكر تغطي رسمياً 161 ألف أسرة لبنانية مقيمة في لبنان لسنة واحدة. (مع الإشارة إلى انّ مجلس النواب قد خفّض قيمة النفقات التشغيلية للقرض إلى ما يقارب 10 ملايين دولار، بعد ان كانت 31 مليون دولار. واستعمل المبلغ لزيادة الأسر المستفيدة فكانت الزيادة بـ14257 أسرة). قيمة القرض الممنوح للدولة اللبنانية هو 246 مليون دولار. وهي بالمبدأ تمنح الأسرة المؤلفة من 4 اشخاص 125 دولار شهرياً، أي 1500 دولار سنوياً. أما باقي التمويل فلم تُحسم مصادره حتى الآن، وما إذا كان قروض دولية أو هبات أو غير ذلك.
المدن