الزحلاوي و” طائر الفينيق “
نقولا أبو فيصل*
لا يختلف إثنان حول الصحوة الزحلية لأبناء المدينة المقيمين والمنتشرين التي عرفتها زحلة في السنوات الأخيرة ، ففي الوقت الذي ظن فيه البعض انه أحكم قبضته حول المدينة وصارت إمارة له فإن الزحلاوي أظهر مرة أخرى انه كطائر الفينيق ذلك الطائر الأسطوري الذي نسجت حوله الأساطير ، الطائر الذي ألهم البشر وكان عنوان النهوض وعدم الاعتراف بالمستحيل ،
كثيرة هي محاولات الطمس والهيمنة التي تعرض لها ابناء المدينة منذ غابر الأزمان، لكن تلك المحاولات دائما ما تكون نهايتها ميلاد حياة جديدة من رماد الحريق .. تاريخ طويل وحضارة عريقة وشعب متشبت بجذوره ، ذلك هو الإنسان الزحلاوي مسالم إلى أبعد الحدود، لكنه لا يخشى الحروب (الموت ببوز البارودة) .. شعب حر لا يمكن تركيعه ينحني أحيانا لكنه لا ينكسر .. يتأقلم مع كل الظروف ويتعايش مع كل الثقافات ،
إن الزحلاوي رغم كونه عاش في حضارات مختلفة وبلدان عديدة، الا انه قد احتفظ بهويته الأصلية اذ إن الحضارات والبلدان التي عاش فيها كانت بالنسبة له عبارة عن البسة يضيف بعضها إلى بعض ،ويبقى جسده داخلها هو هو لا يتغير ” وهنا يحق لنا أن نتساءل عن الشعوب والأعراق التي عاش معها الزحلاوي وماذا عنها كالاميركية ،الكندية البرازيلية المكسيكية والأسترالية وغيرها والتي لها ثقافات عظيمة طبعت الزحلاوي بطابعها من الخارج لكنه من الداخل هو هو لا يتغير وبقي محتفظا بهويته لميول شخصيته للتمسك بكل ما هو لبناني .. تشبيه الزحلاوي بطائر الفينيق لم يكن من فراغ ،فالطائر الخرافي حسب الأسطورة ” هو طائر عملاق وطويل متعدد الالوان لا مثيل له يعيش بين 500 و 1000 سنة وفي نهاية ” حياته ” يجثم على عشه في استكانة وغموض ويغرد لآخر مرة بصوت منخفض حزين إلى أن تنير الشمس الأفق وهو عن الحركة عاجز فيحترق ويتحول رمادا وهو يصدر أصواتا تبدو أقرب إلى الاصداء، وعندما يكون الجسد الضخم قد احترق بالكامل ، تخرج يرقة صغيرة من بقاياه وتزحف في دأب نحو أقرب بقعة ظيلة وسرعان ما تتحول إلى طائر الفينيق التالي .. وهكذا “
صحيح أن الشعب اللبناني لا يحترق بالكامل وبالأخص الزحلاوي ، وصحيح أيضا أن الطائر هو أسطورة من الأساطير، فيجب اضافة ان زحلة العروس تحميها السيدة العذراء من فوق تلالها.
ان تشبيه مدينة زحلة بأهلها المقيمين والمنتشرين عبر العالم بطائر الفينيق هو تشبيه أقرب إلى ما عاشه ويعيشه هذا الشعب الذي حتمت عليه لعنة التاريخ والجغرافيا أن يكون محط أطماع أقوى المؤامرات .. حتى ليخالوا انه احترق بالكامل فيعود من جديد ضخم عريق .. كلامي ليس من فراغ لكنه من واقع عشناه ونعايشه، فلن نذهب بعيدا ونترك للدكتور خير المر أن يحدثنا عن تاريخ زحلة ونعود للأمس القريب وبالضبط سنة 1981 السنة التي فتحت كل أبواب الجحيم والمدافع والنار والظلم والافتراء ضد المدينة وتم محاربة أهلها في عقر الدار وبداية مسلسل التهجير والإقصاء والتهميش والتذويب ومحاربة وجودها عاصمة للبقاع وجعلها على هامش التاريخ باستعمال كل الوسائل …. سنوات من التهميش بشتى الطرق وفي المقابل طمس لكل معالمها .. وحصروا ثقافتها في شرب العرق والرقص والدبكة ونسوا أنها ارض الشعر والخمر والمعالفة وسعيد عقل ،أغفلوا عنها كل هذا.
ثم ماذا بعد ذلك ؟
لا خوف على زحلة بوجود منتشرين حول العالم من المدينة ، وكما ذكرت في كلمتي خلال استقبال الوفد الاغترابي في مجموعة غاردينيا الاقتصادية “كما أن العملة اللبنانية تتمتع بتغطية من الذهب ،فإن زحلة تغطيتها هي ابنائها المنتشرين حول العالم
انهم ذهب زحلة !
بين “وين يوه” و “شو في ما في “
طائر أخر ( زحلاوي ) يولد من جديد بل واكثر إصرارا وقوة على إصلاح كل ما تم إفساده ..انها “جامعة الانتشار الزحلي “
هكذا هم الزحالنة وواهم من يراهن على ذوبانهم في مجتمعاتهم وجعلهم ذكرى في رفوف التاريخ ،
لمن يقول أننا إلى الفناء والزوال سائرون ولا مستقبل للمدينة نقول انتظروا القادم ،لقد فعلها اسعد زغيب وفريق عمله وكانت ضربته موفقة كما عودنا هذا الرجل الذي يخطط كثيرا ويضحك قليلا ، بعد “جامعة الانتشار الزحلي” ليس قبله وبعد سنوات سوف نتحدث اذا كتب الله لنا عمرا .. فطير أخر سيحلق فوق أراضي زحلة بألوانه الجميلة ألوان الحياة لأن الزحلاوي يحب الحياة وكاس ربكم…
*كاتب ورئيس مجموعة غاردينيا غران دور الاقتصادية، رئيس تجمع صناعيي البقاع