جنبلاط الآتي من موسكو:لن نسمح بكسر السنّة وشطب الحريري
لم يفقد سعد الحريري أوراقه بعد. على الرغم من قراره بالعزوف عن الترشح للانتخابات النيابية. إلا أنه لا يزال يمثل رمزية لا يمكن تجاوزها في البيئة السنّية. يتخذ الرجل قراراً بعدم خوض الانتخابات النيابية، لكن تياره يرفض ذلك متشبثاً بعكس هذا القرار. شخصيات سياسية أساسية تحاول ترتيب الوضع معه لثنيه عن قرار ربما هو غير مقتنع به تماماً، لكنه يجد نفسه مجبراً عليه بفعل الوقائع السياسية الداخلية والخارجية.
أمامه الكثير من الاحتمالات والخيارات، إما بإقناع كل رؤساء الحكومة السابقين بالعزوف عن الترشح، وبالتالي نزع الميثاقية عن الاستحقاق الانتخابي. وبحال عدم نزعها والإصرار على إجراء الانتخابات، فإن ذلك سيؤدي إلى تشظٍ في الساحة السنية طالما أنه لم يتم الاتفاق بين الحريري وآخرين على آلية لقيادة المعركة. وذلك سيقود إلى بروز شخصيات وتوجّهات متفرقة ومتنوعة وبعضها ذات سمة “متطرفة”، إذ لم يحسن السنّة إدارة معركتهم لإنتاج البديل. وهذا سيكون أحد أكبر الخطايا المرتكبة.
ما بين الزعامة والنيابة
لا يمكن للحريري أن يكون مرتبطاً بمقعد نيابي. الزعامة تختلف عن النيابة. الأساس هو توفر المقومات والقناعة لديه للاستمرار في خوض المعترك السياسي. وهو ما أكده أمام هيئة الرئاسة في تيار المستقبل، إذ قال لهم: “تابعوا عملكم بشكل عادي. نحن موجودن كتيار وبيت الوسط مفتوح، وبالتالي المسألة تتخطى الانتخابات والمشاركة بها”.
قد يكون خيار الحريري مرتبطاً بإحجام مرحلي عن الانتخابات، فيدخل في مرحلة تحضيرية للمستقبل. وكما سبقه رئيس الحكومة تمام سلام، في إعلان عزوفه، تقول المعلومات إن الرئيس نجيب ميقاتي أبلغ الحريري بقرار اتخذه مسبقاً بأنه لن يكون مرشحاً للانتخابات. يعلل ميقاتي ذلك، وفق ما تقول المصادر، بأنه رئيس للحكومة فكيف سيخوض الانتخابات؟
محاولة جنبلاط
من أبرز القوى السياسية الرافضة لتنحي الحريري وعزوفه، هو وليد جنبلاط. الذي حاول إقناع الحريري في أكثر من مرة بالعدول عن هذا القرار، وبالعودة إلى لبنان وقيادة المعركة. فالمسألة هنا وجودية واستراتيجية. زيارة جنبلاط إلى بيت الوسط مساء السبت 22 كانون الثاني 2022، تشبه إلى حدّ بعيد بالنسبة إليه زيارته إلى قريطم مساء 14 شباط 2005. في تلك الفترة كانت عائلة الحريري في حالة انهيار على وقع فجيعة اغتيال الرئيس الحريري، وكان معظم أركان العائلة يفكّر في مغادرة لبنان، حينها لعب جنبلاط دوره المحوري، أقنع العائلة بالبقاء والتشبث، وبأن لا يكون تشييع الحريري تشييعاً عادياً وتعود الحياة إلى طبيعتها. من هناك انطلقت مرحلة جديدة بقيادة سعد.
حالياً لا بد من تكرار التجربة. جنبلاط الذي عاد من روسيا قبل أيام، وبعد زيارة تأجلت لأكثر من مرة، إلا أن توقيت الزيارة حصل في لحظة مفصلية، وعلى بعد أيام من إعلان الحريري عن قراره. حمل جنبلاط ملف الحريري والسنّة في لبنان إلى روسيا، على قاعدة أنه لا يمكن التضحية بالسنّة في لبنان، فهم دفعوا ضرائب كثيرة من الدم وفي السياسة، ويكفي تحميلهم المزيد، ولا يمكن ضرب السنة في لبنان كما ضربوا في سوريا والعراق. فالإعتدال السنّي يمثّل أهمية استراتيجية للمنطقة ككل، ولا يمكن اعتماد سياسات من شأنها إعادة انتاج التطرف وتنظيم داعش، وسط محاولات لتدعيش البيئات والمجتمعات، على وقع تكرار هروب قيادات القاعدة في العراق عام 2014 وتأسيس تنظيم داعش، وهو ما تكرر قبل أيام في الحسكة.
مع الروس والفرنسيين
بالنسبة إلى جنبلاط، فإن غياب الحريري الذي يمثل الإعتدال السنّي، سيؤسس لمرحلة خطيرة جداً ليس في لبنان فقط. وروسيا أبرز المعنيين بهذا الأمر، وهي التي تحرص على علاقات مع الدول العربية ودول الخليج لتوفير الحماية اللازمة داخل الجمهوريات الإسلامية في روسيا الاتحادية. ويعتبر جنبلاط أنه ما لم يتحقق بالدم عند اغتيال رفيق الحريري، لا يمكن أن يتحقق بهذه الطريقة، مهما كان هناك من أخطاء سياسية أو سوء تفاهم حصل، ولكن لا يمكن التعاطي مع السنّة بهذا الشكل. فلا يمكن للبنان ولا للمنطقة أن تعيش من دون أحد أكبر المكونات فيها.
أوصل جنبلاط تلك الرسالة بوضوح للروس، فيما حطّ مستشار الرئيس سعد الحريري جورج شعبان في موسكو. وحتى لو لم يتراجع الحريري عن قراره، الأهم أن يبقى عنصراً وشريكاً في إدارة المعركة السياسية في المرحلة المقبلة لإنتاج التوازن، والاتفاق على خط بياني سياسي مع شخصيات أخرى كرؤساء الحكومة السابقين، لترتيب ظروف المرحلة بانتظار عودة الحريري لاحقاً. النقاشات ذاتها بحثها جنبلاط مع الفرنسيين في اتصالات متعددة، كما أن هناك محاولات من قبل شخصيات أخرى مع الفرنسيين للتدخل وتوفير الظروف التي تدفع الحريري للتراجع عن قراره.
المدن