الحريرية والعودة إلى الناس
كتب محمد نمر في موقع لبنان الكبير
تعرضت الحريرية السياسية للاغتيال عام 2005. ولم يكن استهداف الرئيس الشهيد رفيق الحريري بأطنان من المتفجرات، مجرد عملية ابعاد شخصية عن الواجهة السياسية، بل كان لإنهاء لبنان الدولة والقضاء على المشروع الحريري النهضوي واعدام اتفاق الطائف وضرب “امبراطورية” السنّة في البلد. حتى يومنا هذا يجتمع كل محللي “14 آذار” تحديداً، على ان اغتيال الحريري نقل لبنان من العيش الواحد إلى الشيعية السياسية، بعدما كانت المارونية السياسية في الصدارة، قبل أن ينهيها المسيحيون في حروبهم على الكرسي.
١٧ عاماً والرئيس سعد الحريري يقاوم لتأخير تداعيات الاغتيال. أصاب في مرات وأخطأ في أخرى. بدأ بمواجهة منذ وضعت العباءة على كتفيه، فدفع الأثمان مزيداً من الدماء. اغتيالات بالمفرق والجملة طالت قيادات معارضة للوصاية السورية وايران وللاغتيال، لكن لا بد من الاشارة إلى أن غالبيتها كانت من فريق سعد الحريري نفسه، كوليد عيدو ومحمد شطح ووسام الحسن وباسل فليحان ووسام عيد وابو طارق العرب ورفاقه في الجهاز الامني وجبران تويني وبيار الجميل، وليس من أطراف تزعم اليوم أنها تواجه “حزب الله”. اغتيالات فاصطدام في “7 ايار” أظهر فيه الحريري انعدام صلته بالدم. كما اختُبر الحريري في معيار الوفاء فأظهر نسبة فائضة منه بتلبيته طلب زيارة سوريا على الرغم من أنه دفع ثمنها غالياً شعبياً. تسلم أول حكومة فانقلبوا عليه. ابتعد وهُدّد أمنياً. عاد بمنطق التسوية، خصوصاً أن “امبراطورية السنّة” في المنطقة كانت تتحمل الويلات (ليس في لبنان فحسب)، في سوريا والعراق وفلسطين. اذا الحريري من مواجهة لـ”حزب الله” إلى ابتعاد، فتسوية، فاستقالة عظيمة، فاعتذار عن التكليف، ففرصة أخيرة للطبقة السياسية (خصوم وحلفاء) بالموافقة على تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة. خيارات متعددة استخدمها الحريري لتأخير الارتطام الكبير وتضحيات بالجملة والمفرق “المهم يبقى البلد”.
حتى العام 2016، (قبل التسوية مع عون التي فرضها سمير جعجع باتفاق معراب)، لم يكن “شحذة السكاكين” ظاهرين، ولم يكن اللاهثون على وراثة سعد الحريري حاضرين، فحتى اليوم لا نراهم سوى خلف منابر ينظّرون، هذا صح وهذا خطأ. جمل انشائية مخطوطة لهدف واحد: تشويه الحريرية بسكاكين الاغتيال السياسي، التي لا تفيد السنّة ولا تقدم اي منفعة لهم بل تزيدهم تشتيتاً أمام السواطير والبراميل والمدافع التي يتعرضون لها، مع الاشارة إلى أن السكين لا يستخدمها سوى “الغدّار” من أهل البيت أو الذين يتفيؤون بظلاله.
من يقارن رفيق بسعد لهو خفيف في مقاربة الاشخاص والمراحل. سعد ليس رفيق ورفيق ليس سعد. ومرحلة ما بين ١٩٩٠ حتى ٢٠٠٥ ليست كلبنان بين ٢٠٠٥ و٢٠٢٢. رفيق الحريري جاء على فرص ازدهار اقتصادي واتفاق أنهى الحرب وعودة دولية وعربية كبيرة. سعد الحريري جاء على مشهد دموي. خرج السوري المحتل حينها ولا يزال يعتبر لبنان محافظة سورية وأتى الايراني بيد لبنانية (حزب الله) الذي يعتبر ان لبنان جزءاً من الجمهورية الاسلامية (ولاية الفقيه)، لتبدأ مرحلة تحقيق الهدف من اغتيال الحريري الأب. عاد جنرال الحقد على “الطائف” ميشال عون وانسجم في أهدافه مع إيران، كما خرج رئيس “القوات” سمير جعجع من السجن.
اليوم في العام ٢٠٢٢ ليس هناك من رئيس حزب واحد في لبنان بخير. الأحزاب المسيحية البارزة تخوض حرب الكرسي بمزايدات شعبوية. حزب الله يتفرج على الآخرين (14 آذار) كيف ينازعون وينقسمون، فهو مارس لعبة ايران عينها: “لا حروب على أرضي بل في سوريا واليمن والعراق”. والسنّة حالهم كحال سنّة سوريا، تم اهمال واقعهم من الدول العربية والمجتمع الدولي، لكن الفارق أن الحريري استطاع أن يمنع سقوط دم لبناني وأن يحمي السنّة من “داعش”، ولو بالتضحيات. فنصف مليون سنّي سقطوا في سوريا ماذا فعل الأصدقاء هناك، فالنظام السوري لا يزال على كرسيه؟ كم سنّي سقط في العراق وكم سنّي لجأ إلى “داعش”؟ ماذا عن سنّة المنطقة؟ هل الحريري أيضاً المسؤول عن هذه الامبراطورية؟
قد يكون خيار العودة إلى الناس والجذور مهمة حريرية ضرورية أكثر أهمية من أحجام كتلة أو كرسي، خصوصاً بعدما تم العبث بالساحة السنّية سنّياً، هو عبث ساند الخصوم التاريخيين في أهدافهم والحلفاء اللاهثين على وراثة الحريرية الباحثين عن مقعد أو لقب “الدولة” أو “السعادة”، أو من يبحثون عن دور يعوّم اسمهم المندثر مجدداً، او من يحسبون أنهم أصوات السنّة في هذه البلاد فيما الانتخابات أظهرت أنهم بالكاد يجمعون عدداً يسعهم باصاً أو باصين، لرحلة شتوية إلى عيون السيمان.
اليوم لبنان في عين العاصفة، هدف الايراني تحقق باغتيال البلد، والسنّة في لبنان متروكين يعانون من طبقة سياسية لا تريد أن تنقذ البلاد، والحريرية قبل أن تكون في رئاسة الحكومة أو النيابة، كانت مهمتها الأولى والوحيدة الوقوف إلى جانب الناس… هناك الجذور الحقيقية فدعونا نعود إليها.