الترسيم: إسرائيل تُنقِّب.. ولبنان يتملص من العرض الأميركي
كتب منير الربيع في المدن
يعود ملف ترسيم الحدود إلى الواجهة مجدداً. هذه المرّة من باب تجميد الملف وتأجيل البت به إلى مرحلة لاحقة. وكان يفترض بلبنان أن يقدّم جوابه رسمياً وخطياً على المقترح الأخير الذي حمله المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين. وشدد هوكشتاين على التوافق بين القوى اللبنانية، وقال إنه يريد موافقة الجميع وضمان إقرار الترسيم في مجلسي الوزراء والنواب، حال التوصل إليه. وعلى هذا الأساس كان خيار تشكيل لجنة لدراسة المقترح وتقديم جواب لبنان النهائي.
تخريج رفض “الحزب” وبرّي
رفض حزب الله والرئيس نبيه برّي المشاركة في اللجنة لأنهما يرفضان المقترح الأميركي، باعتباره استدراج لبنان إلى ما يشبه التطبيع أو التفاوض مع إسرائيل، ولأنه أدنى من المطلوب لبنانياً، ولا بد من تحسين الشروط اللبنانية، ولا يمكن التراجع عن الخطّ 29، أي عن مساحة 2290 كلم مربع إلى مساحة أقل من 860 كلم مربع.
ولم تعقد اللجنة اجتماعات جدية، طالما لم يشارك فيها وزير الأشغال أو ممثل عن الرئيس برّي. وعقد اجتماعان، فيما كان مستشار رئيس الجمهورية الياس بو صعب المكلف بمتابعة هذا الملف مع الأميركيين، يشدد على ضرورة التوافق اللبناني، غير المتوفر حتّى الآن.
لذا، لم يُقدَّم جواب نهائي على العرض. ومن بين الأفكار التي طرحت: تقديم رسالة خطية تطالب بتحسين الشروط اللبنانية والمطالبة بعرض آخر. ما يعني رفض لبنان، بطريقة غير مباشرة، العرض المقدّم. والاعتراض اللبناني ينطلق من عدم موافقته على إبقاء بقعة مائية مساحتها توازي حوالى 20 في المئة من المنطقة المتنازع عليها، خارج ملكية أي طرف، في انتظار الترسيم النهائي.
ويعتبر لبنان أن سحب هذه المساحة منه أمر مرفوض، ومس بسيادته. وهناك اعتراض لبناني آخر على المسار الذي يسلكه الخطّ المتعرج الذي يلغي مساحة مستحقة للبنان من البلوك رقم 8.
الجيش وحزب الله
وتشير مصادر متابعة إلى أن بالمراسلات بين المسؤولين اللبنانيين والأميركيين، تلقى اللبنانيون نصيحة بعدم تقديم الجواب والذي يشير إلى الرفض، لأن لذلك انعكاسات سلبية. ويفضل الأميركيون أن يبقى باب التفاوض مفتوحاً، بدل الجواب السلبي.
وجاءت فكرة الاستعاضة عن الجواب التقني برسالة تطالب بتحصيل المزيد، علماً أن الجواب الأميركي كان واضحاً: على لبنان أن يوافق على ما هو معروض أو يرفض. وبهذا يحاول الإسرائيليون والأميركيون وضع لبنان في خانة إخضاع لبنان لما هو معروض عليه، وعدم الذهاب إلى خيارات تفاوضية من شأنها تحسين شروطه. وهذا ما يرفضه حزب الله والجيش اللبناني الذي لا يزال موقفه واضحاً، استناداً إلى الخرائط والوثائق التي يمتلكها وقدمها سابقاً. ورئيس الوفد العسكري المفاوض العميد بسام ياسين لا يزال مصراً على ضرورة توقيع تعديل المرسوم 6433، ليعتمد لبنان الخطّ 29 خطّاً حدودياً، وليس الخطّ 23. وفي المقابل، هناك انزعاج أميركي واضح من استمرار صدور المواقف التي تتحدث عن الخط 29.
على أي حال، ربما يتظهر الرد على هوكشتاين في الاجتماع الذي سيعقد اليوم الجمعة، بين الرؤساء الثلاثة، عون وبرّي وميقاتي، المخصص للبحث في هذا الملف.
إسرائيل تنقّب
ويصرّ الجانب الإسرائيلي على استمراره في عمليات الحفر والتنقيب، وتحديداً في حقل كاريش، علماً لو أن لبنان وقع تعديل المرسوم وأودعه لدى الأمم المتحدة، لما تمكنت إسرائيل من التنقيب، لأن حقل كاريش يصبح منطقة متنازعاً عليها.
ولا بد من مراقبة رد الفعل الأميركي على نشاط إسرائيل، التي تستعجل العمل لفرض أمر واقع جديد، على لبنان الرضوخ إليه. وليس معروفاً بعد ما إذا ما كان طلبُ الأميركيين من اللبنانيين عدم تقديم جواب نهائي يرفض عرضهم، يتعلق بإمكان تحسين الشروط اللبنانية في ما بعد، أم أنه دليل على إهمال الموقف اللبناني، مقابل استمرار إسرائيل القيام بما تريد.