بين الخوف من الغربة … والغربة في الوطن
نقولا ابو فيصل*
في أحد الايام قال لي صديقي ممازحاً;”لدي رغبة في تذوق مرارة الغربة خارج البلاد فقد أصابني السكري من حلاوة الوطن“وبدون تردد استعرت من جبران خليل جبران مقولته الشهيرة “شيئان يغيران نظرتك للحياة المرض والغربة” ورحت اخبره عن حياة اللبنانيين الذين التقيتهم في الغربة والتكريم الذي حصلوا عليه هناك فيما نحن في لبنان ينكل بنا ، وهكذا وبعد ثلاثة سنوات من حرب تجويع اللبنانيين في وطنهم اقتنع من حولي أنه انتهى الزمان الذي كان فيه الاهل يخافون على اولادهم في الغربة وأصبح الابناء في غربتهم يخافون على اهلهم في الوطن !
في روايته “الجهل” كتب كونديرا أن “عوليس التائه” فضّل العودة الى المنزل رغم حلاوة الحياة التي كان يعيشها في الغربة ويضيف : “العودة هي المصالحة مع الحياة والنهاية التي يجب أن تكون في الوطن عكس المغامرة التي لا تطمح لأي نهاية .” وبدوره الإمام علي بن ابي طالب قال “لا تفرح بسقوط غيرك فإنك لا تدري ما تضمر لك الايام” وهذا الكلام برسم بعض اللبنانيين الذين يعيشون في الغربة وغير مهتمين بمساعدة اهلهم في لبنان والذين يرون الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة ،وكثيرون منهم ربما لا يفهمون ان اللبنانيين المقيمين ومن خوفهم على خسارة الوطن فأنهم يعيشون الذل في لبنان ويرفضون حياة الغربة ويرددون في صلاتهم الصباحية والمسائية ليسمع “راكبي الكراسي” أن دولة الباطل ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة ولك يوم يا ظالم ..”
شخصيًا لقد داهمتني الغُربة في حضن الوطن بعد وفاة والدي مطلع السبعينيات ، وحينها لمسني جمرُ الصقيع في دهشة وكأنه عالم الغربة، ولكن أحساسي بدفء أمي في طفولتي جعلني أشعر أن الدفء الذي كان بين أصابعَ يديها هو دفء احتضان الوطن لي ولم أهاجر ….وفيما علمونا ونحن صغار “يلعن أبو الغربة ” اقول لهم ونحن كبار”يلعن أبو الاوطان” التي لا تحتضن ابناءها بسبب سوء ما أنجبت من حكام !
*من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب “جزء ٣
(الصورة من مشاريع غاردينيا الزراعية في ارمينيا )