كتب نقولا أبو فيصل “بين ﺑﺼﻞ ﻋﻜﺎ وزيارة مكة.. والغلاف الديني”!
يروى أنه في قديم الزمان اﺷﺘﺮﻯ تاجر عربي ثلاثة أﻃﻨﺎﻥ من ﺑﺼﻞ ﻋﻜﺎ المشهور ، وحين ﺣﺎﻭﻝ ﺍﻥ ﻳﺒﻴﻌﻪ ﻟﻠﻨﺎﺱ لم يشترِ ﻣﻨﻪ أﺣﺪٌ، ﺣﺘﻰ كاد يفسد معظمه ، فقصد رجلاً جليلاً معروفاً بالحكمة والحنكة والشطارة بالتجارة ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ:” ﺍﻟﺒﺼﻞ ﺍﻟﺬﻯ ﺍﺳﺘﻮﺭﺩﺗﻪ ﻣﻦ ﻋﻜﺎ “فسد“ ﻭﻟﺴﺖ ﻗﺎﺩﺭاً ﻋﻠﻰ ﺑﻴﻌﻪ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ الرجل ﺍﻧﺎ شريكك في ﺗﺴﻮﻳﻘﻪ ، ﻭﺍﻓﻖ ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ ﻭﺫﻫﺐ برفقة الرجل الحكيم الى السوق حيث دلّل على البضاعة قائلاً : “ايها السادة ﻣﻦ ﺃﻛﻞ ﺑﺼﻞ ﻋﻜﺎ ﻛﺄﻧﻤﺎ ﺯﺍﺭ مكة ” فخرج ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﺷﺘﺮﻭﺍ ﻛﻞّ ﺍﻟﺒﺼﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺟﺮ ، وهكذا تم تغليف البصل بغلاف ديني .
في لبنان، يحدث أن تشفق أو تضحك من بعض رجال الدين من كلّ الطوائف الواعظين المتحدثين عن الزهد، لأنهم غارقون في الدنيا وملذاتها ومتعها من الأذنين حتى أخمص القدمين في المسكن والملبس والمأكل والسيارات الفاخرة والمقتنيات، وصولاً الى النساء، وغير ذلك بكثير، ويضحكني عندما يتحدث هؤلاء في عظاتهم ايام الجمعة والآحاد والأعياد والمناسبات الدينية عن التقوى ومخافة الله، وبعضهم لا يعرف الله، خاصة بعض القيمين على المدارس والمستشفيات الذين لم يُضبط أحدٌ منهم متلبساً بعمل خير طوال حياته ..
ويضحكني ايضاً عندما يتحدث بعض هؤلاء عن العطاء، وعباد الله يرونهم أصحاب اختصاص في الأخذ !ويضحكني في عظاتهم عن الفقراء والايتام والمساكين ومؤخراً عن الناجين من تحت الانقاض ، وبأنهم سوف يبنون لهم المنازل وسوف يعيشون في نعيمٍ ما بعده نعيمٌ ، ولا يقدر أحدٌ من المغلوب على أمرهم على مواجهتهم وتحصيل تعويض منهم ، وهكذا نكون أمام درس جديد في تجارة الدين والاتجار بالعباد .
*كاتب وباحث ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب؟” جزء 5