بين حب المال وحب الله …..والجمع بينهما
نقولا أبو فيصل*
بعد اختبار الانسان للحياة على الارض بات واضحاً له أن ما يسبِّب الاذية ليس المال بحد ذاته انما محبة المال التي فاقت عند البعض محبة الله! كما أن إعطاء المال اهمية زائدة عن اللزوم أحدثت شرخاً بين الاصدقاء، وحتى بين أفراد العائلة الواحدة ، وقد ذكر المال في الكتاب المقدس في ست واربعين آية ، وقد حدد المسيح شروطه فيها لقبول الانسان تلميذًا له بالتخلي عن المال، كما حذر من اخطاره في تحقيق الخلاص، وكانت دعوته واضحة لنا نحن البشر أن نختار بين أموالنا وأمر خلاصنا وأن نضحي بها في سبيل هذا الخلاص لأن المال عند كثيرين من الناس صار في منزلة الرب الاله يهتمون ويفكرون به اكثر من الله وربما أصبح المال ربهم وبذلك لا يمكنهم الجمع بين ربين .
لكن ما العمل أمام هذا الواقع حيث لا يستطيع الانسان أن يعيش بلا مالٍ؟. وبالعودة الى الكتاب المقدس نجد أن احتقار المال ليس مطلوباً بل المطلوب هو أن لا نجعله سيداً علينا ينافس الله، وان لا نكرس له جميع قوانا العقلية والجسدية، كما انه من الواجب أن لا نجعله عائقاً بيننا وبين أخوتنا في الانسانية ، فالمال الحرام كما يقول القديس يعقوب 3:5: “اذا كان بينكم لا سمح الله من دخل ذمته شي مما سرقه او اجور ظالمة او تزوير او غش في التجارة فعليه ان يعوض ، اذ انه لا تغتفر الذنوب ما لم يرد المال المسلوب” ويدعونا الرب قائلًا :”لا تتخذوا اصدقاء لكم بالمال الباطل، وطوبى للمال الذي ينفق في اطعام الجياع والفقراء والمحتاجين والايتام والارامل”
كما أن انجيل متى 24:7: قد حدد علاقة الانسان بالمال وبالله حين قال:” ما من احد يستطيع ان يخدم سيدين ولا ان يعبد ربين الله والمال ، ولعل يهوذا الاسخريوطي هو خير مثال على من باعوا ضمائرهم من اجل المال وهو الذي باع معلمه المسيح الاله بثلاثين من الفضة ،ومع الاسف نجد الكثيرين في أيامنا يبيعون ضمائرهم وكرامتهم ووطنهم من اجل المال ، كما أن المال يمكن أن يكون عائقاً امام الانسان لدخول السما ء حيث يقول القديس لوقا “انه أسهل ان يدخل الجمل في خرم الابرة من ان يدخل غني ملكوت الله”. وقد يكون حب المال أحياناً اقوى من حب الله والكمال ، فمن اراد ان يكون تلميذاً للمسيح وكاملاً يجب عليه ان يتخلى عن جميع امواله ، ومثالاً عندما قال السيد المسيح للشاب الغني في انجيل مرقس 22:10 حين اراد ان يكون من أتباعه “اذهب وبع كل شي تملكه وتصدق بثمنه على الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال واتبعني”.
وفيما نرى اليوم المواطن اللبناني يبحث عن المال لتأمين الحد الادنى للحياة وتدبير اموره اليومية رغم وجود استحالة كبيرة في تأمين ذلك ,نرى ايضآ ان السعادة قد غادرت ايضاً بيوت اللبنانيين بعد أن ذابت رواتبهم ومداخيلهم بفعل الانهيار المالي للعملة الوطنية ، فعن اي سعادة أرضية نتحدث علماً ان المزيد من المال لا يعني المزيد من السعادة بعد أن هاجر ٤٠٠ الف لبناني من النخب المنتجة !
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب” جزء ٤