بين السفير الآدمي والقيم والمبادىء والانسانية!
نقولا ابو فيصل*
خلال تجوالي وترحالي في العالم قابلت العديد من سفراء لبنان ومنهم من كان وطنياً فوق العادة ، ومنهم من كان غير مبالٍ ، ومنهم الادمي وهذا موضوع بحثنا اليوم من امثال السفراء انطوان شديد وجان معكرون وشوقي بو نصار والبير سماحة وبلال قبلان والياس لبس وصولاً الى السفراء مصطفى اديب وفؤاد دندن ويوسف صدقة وفادي زيادة وفوزي كبارة وجورج ابو زيد وفاسكان كالفاكيان وميلاد نمور وسامي نمير وربيع نرش وعلي حبحاب وزياد عطالله وقبلان فرنجية وكلود حجل والين يونس ومايا داغر وميرا ضاهر واللائحة تطول ممن التقيت بهم شخصيًا وما أعجبني في هؤلاء الدبلوماسيين اعتزازهم بلبنان وقدرتهم الصلبة على الصمود أمام هذا الطوفان من الكراهية والاحقاد الذي يلف لبنان ، كما صرت املك قناعة تامة وأكيدة أن الصعوبات والمصائب التي مر بها كل واحد منهم في حياته المهنية لعبت دوراً كبيراً في تجديد مشاعر الرحمة في قلبه وجعلته يتفهم الضعف البشري بشكل أعمَق وأصدَق .
منذ القدم وسكان هذه المعمورة يتفقون على أن الإنسان لا يُولَد مرة واحدة، بل عدة ولادات فالولادة الأولى هي خروجه مِن رَحِم أمه والثانية هي خروجه من السّذاجة والسّطحيّة والثالثة هي خروجه مِن المعتقدات والعادات التي تكبل عقله وإنسانيته والرابعة هي خروجه مِن الأوهام والأهواء إلى حياة نقية ، فالمصائب والصعوبات تحطم كبرياء الإنسان بطريقة مُرعِبة ليدرك بعدها معنى أن يخطئ أو أن يستسلم ! حيث انه يُدرك نعمة التقدير في لحظات الفَقدان ، ويتعلم الشفقة والغُفران في لحظات الرَفض ويستَشعِر عظمة الله عادة في لحظات الضياع.
القيم والمبادىء لا تتجزأ ولا تحضر وتغيب غب الطلب ولا حالة وسطية ، إما ان يكون الانسان آدمياً أو فاقداً لإنسانيته ، وهنا تستحضرني كتابات الروائي والناقد الاجتماعي البريطاني إريك بلير المولود في الهند والمعروف بإسم مستعار هو جورج أورويل والذي يتميز بمعارضته للشمولية حين قال: “لم يكن البقاء على قيد الحياة هدفاً للمرء بل البقاء إنساناً”وقد كنت عاجزاً عن فهم قصده في يوم من الايام وكنت افكر ملياً كيف يمكن للآدمي أن يحتفظ بإنسانيته إن لم يكن على قيد الحياة أما اليوم وبعد كل ما حل بنا من مصائب على أيدي أوادم السياسة والمال في لبنان وما تلاها في الانتخابات النيابية الاخيرة من خلاف حاد في السياسة بين الافرقاء قابلها تحالف في الاصوات ومن سرقة في وضح النهار لحقوق المودعين واموالهم وجنى عمرهم من قبل أصحاب المصارف جعلني أفهم كيف يمكن أن يكون الانسان آدمياً يعيش على قيد الحياة ويكون فاقداً لإنسانيته في ذات الوقت
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب” جزء ٤