بقلم الدكتور هيكل الراعي”عن لبنان، لماذا أكتب؟” تتعرف على نقولا أبو فيصل المؤمن بنقاوة وصدق وعمق
بقلم الدكتور هيكل الراعي
زارني الصديق الوفي نقولا أبو فيصل، رئيس تجمع الصناعيين في البقاع، حيث أهداني كتابه “عن لبنان لماذا أكتب ؟”. كانت جلسة مهمة غنية ومثمرة حيث استفدت من الخبرات والمعلومات والاحصاءات التي عرضها حول الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحول الاستثمارات الصناعية الجديدة والواعدة في منطقة البقاع. لقد أعاد لي الحاج نقولا من خلال أحاديثه الممتعة وعمق رؤياه بعض الأمل بالأيام المقبلة على لبنان رغم أن ممارسات العصابات السياسية المصرفية و… المتحكمة برقاب اللبنانيين تزرع التشاؤم واليأس والخراب والدمار.
قرأت كتاب الصديق نقولا بتأنٍ وروية واستمتعت بما كتب في الجزئين. هو ليس كتاب علمي أو فلسفي أو ديني أو سياسي أو اقتصادي أو أدبي، ولا هو ثمار أبحاث ودراسات ومقابلات… هو مزيج غني من كل هذه المواضيع.
بلغةٍ بسيطة سهلة أنيقة، تلج بسرعة وسهولة عقل وقلب القارىء، يتناول نقولا أبو فيصل مجموعة من العناوين الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفلسفية والتربوية والقيمية، ويقدمها بنصوص قصيرة، معرباً عن رأي ووجهة نظر واضحة وجلية. فهو منحازٌ إلى الدولة القوية العادلة القادرة على إدارة شؤون الناس بما يكفل تماسك وتضامن المجتمع ويساهم في بناء المواطن والوطن. وهو منحاز إلى القيم الأصيلة التي تربينا عليها والتي أنتجت تعاضداً اجتماعياً ولهفةً وغيرة ومحبةً بين الأقارب والأصدقاء. نقولا أبو فيصل في كتابه” عن لبنان لماذا اكتب ؟” يعلن انحيازه النقي الواضح الصريح إلى الجيش اللبناني، منبع التضحية والشرف والوفاء، وهو يجاهر بهذا الانحياز لأنه لا يمكن قيام دولة ترعى شؤون المواطنين دون وجود هذا الجيش. وانحياز الحاج نقولا إلى الجيش لا يلغي تقديره للأجهزة الأمنية الأخرى التي ترعى شؤون المواطنين. في كتابه ” عن لبنان لماذا أكتب ؟” تتعرف على نقولا أبو فيصل المؤمن بنقاوة وصدق وعمق. فهو يعلن هذا الإيمان ويترجمه في كلمات تعبق بالبخور. وهو تجاوز الكتابة في حياته العملية إلى إقامة كابيلا صغيرة إلى جانب مصنعه يصر على أن يدخلها أغلب زواره للتعرف على جمالها وللتزود بنفحة إيمانية عطرة. نقولا أبو فيصل في كتابه يقدّس قيم الأصالة والصدق والشهامة والبطولة والرجولة والتضحية والشهادة والوفاء ويحارب الكذب والحقد واليأس والنميمة والكراهية والخداع.
تبقى ملاحظات ثلاث لا بد من كتابتها حول المؤلف:
الأولى، أن نقولا أبو فيصل، أستاذ المدرسة الذي شقّ طريقه في عالم الصناعة وبنى مؤسسةً ضخمة لها فروعها في الخارج، بقي هو هو بنمط حياته وأسلوب عيشه وانفتاحه و صدقه وصداقاته. لم تجعل منه ثروته إنساناً آخر، كما يحدث في العادة مع أصحاب الثروات، فحافظ على تواضعه وعلى احترامه لنفسه وللآخرين، كما حافظ على تواصله الدائم مع أصدقائه وأبقى بذلك على خيوط ودٍ صلبة هي أثمن وأغلى قيمة من كل الثروات المادية التي يمكن أن يملكها إنسان.
الثانية، أن نقولا أبو فيصل الرجل العصامي الذي صعد سلّم النجاح درجة درجة والذي سهر وتعب وعانى وبذل وأعطى بكل صدقٍ وشفافية سيحصد يوماً ثمار ما زرع. وما الثقة التي أولاه إياها صناعيو البقاع وحضوره الدائم ومشاركته الفاعلة في أغلب اللقاءات والمؤتمرات والمهرجانات في لبنان والخارج إلا مقدمات للاستفادة مستقبلاً من خبراته عندما ستبدأ ورشة إعادة الإعمار والبناء.
الثالثة، أن يبادر صناعي منشغل بشكل يومي في تفاصيل إنتاج الصناعات الغذائية إلى امتشاق القلم والابداع من خلال هذا الكتاب فهذا يعبّر عن أصالة فكرية وعن عمقٍ ثقافي قلّ نظيره. فكما أبدع نقولا أبو فيصل في مؤسساته الصناعية، بحيث تشعر وكأنك في أحدث المصانع العالمية عندما تزورها، كذلك تشعر وكأنك في حضرة كاتبٍ مبدع عندما تتجول بين صفحات كتابه.
زحلة في ٢٨ آب ٢٠٢٢