للداخل “موازنة” وحكومة.. وللخارج الترسيم وترئيس قائد الجيش
ثلاثة ملفات تبدو مترابطة ببعضها البعض، نظرياً أو شكلياً أو حتى في المضمون. ملف ترسيم الحدود. ملف الموازنة وإقرارها. وملف تشكيل الحكومة.
بشأن الترسيم، أبلغ نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب رئيس الجمهورية ميشال عون بأن لبنان سيتسلم العرض المكتوب بشأن الترسيم من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين خلال هذا الأسبوع. يترافق ذلك مع أجواء إيجابية في الداخل.
أيضاً لا يزال ملف الموازنة المالية العامة يشكّل عنواناً أساسياً يرتبط بملف تشكيل الحكومة، خصوصاً أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يركز على ضرورة إقرار الموازنة، للتفرغ لتشكيل الحكومة. وهو ما يتوافق عليه مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وبذلك فإن الإيجابية حول إقرار الموازنة لا بد أن تنسحب على تشكيل الحكومة.
تغيير وزراء وتبرؤ من الأرقام
بالنسبة إلى التفاصيل الحكومية، فإن الإصرار على تغيير عدد من الوزراء، وخصوصاً وزير المال يوسف الخليل، بالإضافة إلى احتمال تغيير نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وهو أبرز المهتمين بملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، واستبداله برجل الأعمال وديع العبسي، الذي سيكون من حصة رئيس الجمهورية، مقابل تسمية وزير سنّي من حصة رئيس الحكومة، لا بد له أن يرتبط أيضاً بموقف رئيس مجلس النواب من تغيير وزير المال يوسف خليل. وهذا لا ينفصل عن كلام برّي المتكرر بأن المجلس النيابي “سيد نفسه ولا يخضع لشروط صندوق النقد الدولي”، وأن وضع أرقام الموازنة والدولار الجمركي من مسؤولية الحكومة لا من مسؤولية المجلس النيابي.
في هذا الكلام ثمة تبرؤ من قبل برّي. وهذا يذكّر بطريقة تعاطي رئيس مجلس النواب غير اللائقة مع وزير المال يوسف خليل، في الجلسة السابقة، وخلال كلمته من داخل المجلس. إذ قاطعه برّي وطلب من رئيس الحكومة أن يتولى الكلام بدلاً منه. هذه الصورة لها هدف أساسي يرتبط بتغيير الوزراء في الحكومة المفترضة، كي يكون برّي بتخليه عن خليل متبرئاً من الأرقام التي لحظتها الموازنة، فيما أبلغ رئيس المجلس الوزيرَ السابق ياسين جابر بأنه هو من سيتولى حقيبة المالية. وعليه يكون إقرار الموازنة قد حصل من دون تبنٍّ واضح من قبل أي جهة، وسط سعي الكتل النيابية والقوى السياسية إلى التخفف من أثقالها وأعبائها.
توقيع عون وخياراته
ومع التفاهم وإقرار الموازنة، ثمة من يطرح سؤالاً إذا ما كان رئيس الجمهورية سيوقع عليها بعد إحالة القانون إليه، أم أن عون سيردّها كما ردّ من قبل قانون رفع السرية المصرفية. بحال أقدم رئيس الجمهورية على هذه الخطوة، يعني أن الموازنة رحّلت إلى ما بعد الدخول في مهلة الأيام العشرة الأخيرة من ولاية الرئيس. وفيها يكون المجلس النيابي قد تحول حكماً إلى هيئة ناخبة لا يمكنه التشريع خلالها.
في الموازاة، يُنتظر اللقاء الذي سيعقد بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لوضعه في صورة اجتماعاته في نيويورك، وإعادة البحث في ملف تشكيل الحكومة وآخر ما توصلت إليه الاتصالات والصيغ. هنا لا يمكن لميقاتي إغفال تلويح عون باللجوء إلى اصدار مرسوم يعتبر فيه حكومة تصريف الاعمال مستقيلة، حتى من القيام بأعمال التصريف. لا بد أن يتحسس ميقاتي خوفاً أساسياً من احتمال تسهيل تشكيل الحكومة وإحالتها إلى المجلس النيابي، وبعدها يتم إسقاطها بفقدانها الثقة، فحينها تسقط ورقة تكليفه ويصبح رئيس الجمهورية قادراً على الدعوة لاستشارات نيابية لتكليف شخصية جديدة، أما بحال تأخرت الدعوة للاستشارات، فحينها سيكون البلد قد دخل في صراع دستوري أكبر.
إلى ما بعد “الفراغ”
في كل الأحوال، لا بد للبنان أن ينتظر بعض المؤشرات الخارجية، أهمها انتظار مآلات ومصير الهدنة في اليمن، بالإضافة إلى ملف ترسيم الحدود، فأي إيجابية تتحقق على الصعيدين لا بد لها أن تنعكس تهدئة في الداخل. هذا أيضاً لا ينفصل عن تحركات ديبلوماسية تقوم بها الدول المهتمة ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، المملكة العربية السعودية وفرنسا، تحركات واتصالات على وقع سيناريو يبدو أصبح واضحاً وهو الوصول إلى الفراغ، بموازاة استمرار الأزمات المتعددة مالياً واقتصادياً واجتماعياً، وسط عجز سياسي بين الكتل المختلفة عن الوصول إلى اتفاق على رئيس جديد. فحينها تفرض الوقائع نفسها باللجوء إلى تسوية على قائد الجيش جوزيف عون.
المدن