كتب نقولا ابو فيصل”بين الغنى الروحي والثراء المادي والمال والوفرة”
في الغالب يقدر الأثرياء الوقت أكثر من المال ويقدر الفقراء المال أكثر من الوقت ، ذلك أن الثري يقدر نفسه ثم ماله وليس العكس، لأنه يعرف ما يمكنه فعله خلال ساعة من الزمن ، وفي عقلية الثراء يكون عقل الانسان مبرمجاً على الخير والوفرة ، وليس له اي علاقة برصيد حسابه وممتلكاته، واذا كان الانسان الذي يشعر بالشح ينتظر الثروة حتى يشعر بالوفرة ، وينتظر الشفاء حتى يشعر بالصحة فالقدر يعمل عكس ذلك ، وفي اللحظة التي يشعر بها بالامتنان يبدأ شفاؤه ، وفي اللحظة التي يشعر فيها بالوفرة فإنه سوف يجد الثراء!
وليس الثراء والفقر هما ما يجعلانا سعداء أو تعساء، بل انه في كثير من الاحيان نلاحظ العكس ، فالفقراء الذين يتبادلون الحب مع الاخرين هم في الحقيقة الأغنياء الحقيقيون ، والغنى والفقر مقرونان ببعضهما البعض فلا جدوى للانسان من بناء حياته على ملذاته ، وفي المسيحية لا يبلغ الإنسان رضا الله حسب رأي البعض حتى يكون فقيراً متقشفاً. لذلك يردد الآباء خلال عظاتهم “في وقتها وغير وقتها” كلام يسوع : “أن يدخل الجمل في ثَقْب الإبرة أيسرُ من أن يدخل الغنيُّ ملكوت الله”وفي رأيي هذه إشارة الى أن دخول الغنيّ ملكوت الله أمر غير مستحيل، فالله ليس ضد الغنى والثراء، وهو الذي جعل سليمان الملك وإبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب وغيرهم من الأغنياء؛
إذن المهمّ في المسيحية هو عبادة الله والاعتماد عليه لا عبادة المال ، لكن ليس كل من يملك الفائض من المال هو من عبّاد المال، ولا كل من ليس لديه الكثير من المال هو متجرد تجاهه، ، على أن علامات عبادة المال عند بعض الناس كما يرويها أحد الآباء في الكنيسة هي في نفسه وفي سلوكه حيث أن “عابد المال” يفكر دوماً منذ ساعة استيقاظه صباحاً حتى ساعة نومه بالمال، ومعظم حديثه مع الآخرين هو حول المال، وهو يستمتع في الحديث عن الغنى والثراء ، وحتى أنه ينسى كل ما يجري حوله إذ أن تركيزه هو على ثروته وبذلك يصبح “عابد المال” بخيلاً لدرجة أن ماله يصبح أغلى على قلبه ومن أي شيء آخر في الحياة .
*كاتب وباحث ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع